نظم مركز الجزيرة للدراسات جلسة نقاشية مسائية لليوم الثاني بعنوان العقبات الداخلية للتحول الديموقراطي في العالم العربي، وقد شارك فيها لفيف من الأساتذة والمفكرين من عدة أقطر عربية وإسلامية وطرحت أفكارا حديدة كما اثارت نقاضا مستفيضا.
الإجماع ضروري للثورات
تحدث المشاركون عن العوائق الداخلية التي تواجه التغيير في العالم العربي، وأوضح أول المتحدثين الدكتور محمد بن المختار الشنقيطي المختص في الفكر الإسلامي أنه لا تقوم ثورة دون إجماع أخلاقي حول قيمتي الحرية والعدالة وشمولهما للجميع بلا استثناءات، ويرتبط اتساع نطاق الداخلين في هذا الإجماع اضطرادا مع سلاسة الثورة، ومرورها بأقل مخاطر ممكنة على المجتمع، باعتبار أن هذا الإجماع الأخلاقي هو المسؤول عن تكوين النواة الصلبة التي تستطيع إحداث الحراك، والاستبداد يحكمه منطق التفريق منذ عهد فرعون قال تعالى واصفا فرعون: "إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم"، ويستوي في ذلك التفريق على أساس المصلحة أو الطائفة أو العرق أو القبيلة، وفي المقابل يتوجب على المظلومين الاتحاد مع بعضهم البعض في مواجهة موالاة الظالمين بعضهم بعضا.
وقيمة الإجماع تظهر في أنه يؤدي للاتفاق على القيم التي تصنع الدساتير والدساتير بدورها مسؤولة عن القوانين، والاتفاق على القيم هو الصانع للدساتير بأشكالها كافة، وذلك عبر قيم إجرائية وسيطة تسمح بالاتفاق.
عقبات التحول الإصلاحي.. حالات من العالم العربي
تناولت المحامية بسمة الكيومي من عُمان حالة التجربة العمانية مشيرة إلى طبيعة الدولة العمانية المتجذرة بعمق في المجتمع حيث تؤدي وظائف عديدة لصالحه، وتتحكم في وسائط التوجيه والإرشاد، وبالإضافة إلى الوظيفة الجوهرية التي تلعبها الدولة في سلطن عمان فإن المؤسسات الاجتماعية يغلب الولاء للدولة على حساب الولاء الوطني. وفضلا عن هذا وذاك فإن هيمنة الثقافة الذكورية وحالة عدم الاتفاق على المفاهيم، وغياب استراتيجية التنمية الاقتصادية التي يشارك فيها المواطن كلها عوامل تشكل عقبات ملموسة في سبيل اي تحول في سلطنة عمان.
وعن الحالة المصرية تحدث الكاتب والإعلامي وائل قنديل فنقل الحوار من الحديث عن العقبات الداخلية إلى استشراف الحلول، مشيرا بداية لوجود أخطاء كثيرة ارتكبتها قوى الثورة المصرية، وداعيا في نفس الوثت القوى الإسلامية لبلورة خطاب وطني يستبعد الثنائية التقليدية حول صراع الإسلام والعلمانية. وأكد قنديل على أهمية المكاشفة والمصارحة والاعتراف بالأخطاء ومحاولة معالجتها، فهي حلول تتطلبها المرحلة وهي من ضرورات معالجة العقبات التي تقف في وجه أي تحول ديمقراطي.
وفي ما يتعلق بالحالة التونسية فقد بيَّن الكاتب عبد الحق الزموري أن كثيرا من النخب المحلية لم تستطع تحمل نتائج الانتخابات فاتهمت الشعوب بعدم التمييز وبقصور الوعي، وبلغ مردة فعلها في بعض الأحيان الدعوة إلى عودة استعمار الغربي الذي ترى فيه هذه النخب ملاذا. ولفت الزموري إلى التشابه في عقلية الغنيمة التي تسيطر على النخب العربية، فقد تكالبت هيه النخب على مغانم الحكم بعد سقوط الأنظمة السابقة مباشرة، موضحا في السياق ذاته، أن التنازلات التي قامت بها الأطراف السياسية في تونس والتي ما زالت تميز التجربة التونسية مهمة جدا بالنسبة للتفاهمات السياسية في تونس ومهمة في بناء نظام سياسي توافقي غير أنها تتجاهل للشق الاجتماعي في ثورة طالبت بالحرية والكرامة معا.
وقد تناول الكتاب الليبي أنس القطامي العوائق الداخلية التي عرفتها الحالة الليبية فركز على على تحديات ما بعد سقوط القذافي مشيرا إلى غياب هياكل الدولة المنظمة في ليبيا أصلا قبل الثورة. فكان هذا أحد أبرز العقبات التي واجهت الحكومات الليبية بعد نجاح لثورة؛ فإعادة بناء الدولة كان التحدي الأبرز ناهيك عن تعاظم دور القبيلة في ليبيا على حساب الدولة، وخطورة الأدوار التي تقوم بها الميليشيا وما يصاحب ذلك من فوضى انتشار السلاح، فضلا عن الاستقطاب الحاد بين الليبراليين والإسلاميين على الحكم. فهذه العقبات كلها تضافرت لتعيق بناء الدولة الليبية في الوقت الراهن، ولتجعل صناعة القرار الفاعل والمؤثر أمرا في غاية الصعوبة.
وقد تناول القيادي بجماعة العدل والإحسان بالمغرب فتح الله أرسلان الحالة المغربية متناولا أزمة المصداقية التي واجهت من تولوا الحكم مباشرة بعد الثورات، خاصة لانتمائهم للنظام القديم، وعدم إدراك السلطات التي أتت عبر الانتخاب إلى أهمية الحاجة للتوافق بينها أكثر من الاحتكام للشرعية، كما انتقد غياب التعامل التدريجي مع المؤسسات العميقة وتفكيكها بتدرج، عدا عن الخلافات على الدستور وصياغته.
وعن الحالة في الجزائر تحدث عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم والنائب البرلماني السابق، مشيرا إلى أن النظام الجزائري واجه بقمع عنيف أحداث أكتوبر/ تشرين الأول 1988، كما قام بعد ذلك بإجهاض التجربة التعددية الأولى، وهو الأمر الذي أدى لما يعرف بالمأساة الوطنية في عقد التسعينات، ولذا بدا الشباب وحتى المعارضين أسرى لحالة ذهنية مرتبطة بتجربة المأساة الوطنية. وأوضح مقري أن الإشكال يكمن كذلك في شراء النظام لكثير من السياسيين بحكم الفائض المالي الذي يتمتع به النظام الحاكم في الجزائر. لكن المقري عاد ليوضح أن النظام لن يتمتع بهذا الوضع طويلا لعوامل ترجع لكون الجيل الحالي لم يعش المأساة الوطنية، كما أن موارد النظام البترولية لن تدوم بما يسمح له باستدامة الاستغلال لها.
فيما تناول د سعيد الهاشمي من سلطنة عمان جوانب من العقبات التي تعرفها الحالة العمانية مبرزا أن هنالك جدالات كانت ذات أثر على التحركات العمانية منها جدال العام والخاص، حيث بدا كما لو أن الحرية الخاصة ستؤثر على الحرية العامة. وهاك الجدل الثاني الذي طرحته الحالة وكان جدل الأمن العام والأمان الشخصي حيث بدا كما لو أن الأمن العام سيؤثر على الأمان الشخصي، أما الدين فقد حكم طرفي الجدل الثالث بين الدين والتدين الشعبي، حيث الدين بقيمه، والتدين الشعبي بسطحيته وفهمه الضيق للأمور، أما الجدل الرابع فهو جدل الأمني والمدني، حيث تغلب الأول على الثاني بامتياز، الأخير ارتبط بالمعيشي والثقافي، حيث بدا انتصار المعيشي ظاهرا للعيان على الثقافي.
وعن الحالة السودانية تحدث الصحفي فيصل محمد صالح، مشيرا إلى أن السودان يعرف غيابا للبنية التحتية الداعمة لقيام تنمية سياسية، وثقافة ديمقراطية، منبها للأبعاد الطائفية، والعشائرية في هذا المجال، موضحا أن العسكر لطالما استغلوا حقب الاضطراب السياسي لتبرير وثوبهم على الحكم.
وتحدث رئيس المجلس الوطني السوري جورج صبرا عن العوائق الداخلية للتغيير في سوريا مبرزا أن أولها هو: تدمير ممتلكات الدولة بسبب ارتباطها بالسلطة طوال عقود مضت وهو ما عطل الخدمات العامة في المناطق المحررة، وأدى لتولي فصائل لمسؤولية خدمات الدولة ذاتها، وبدا كما لو أنه يجري استبدال نظام بثوار لكن النتيجة واحدة وهي احتكار السلطة والتحدث باسم الشعب، كما بزرت خلافات على شكل الدولة قبل أن يحسم أمر إسقاط النظام، وفي حالات الانتخابات بدا كما لو ان صندوق الانتخاب يمنح تفويضا مطلقا للفائزين ليصوغوا حياة الشعوب كما يودون.