تأطير​

شهد عدد من الدول العربية، منذ 2010، حركة شعبية متعاظمة من أجل التغيير، نجحت في مرحلتها الأولى في إطاحة عدد من الأنظمة، بينما تحولت إلى حالة من الحرب الأهلية في دول أخرى، مثل سوريا والعراق، لتلحق بهما كل من ليبيا واليمن بعد ذلك. ولكن حتى في الدول التي نجحت فيها الثورة الشعبية في إحداث تغيير سياسي سريع، عمل الانقسام الداخلي والتدخل العربي الإقليمي على دفع قوى النظام القديم والطبقات الحاكمة السابقة إلى الانقلاب على عملية التحول الديمقراطي. وسرعان ما تحولت آمال الحرية والديمقراطية في المجال العربي إلى كابوس جديد من الاستبداد، وما يشبه الفشل الكامل للدولة، أو الاستقطاب وفقدان السيادة ووحدة الأرض والشعب.

 

بدت حركة الثورة العربية، للوهلة الأولى، وكأنها وليدة الإخفاق في تحقيق التنمية وإقامة أنظمة حكم تحترم إرادة الشعوب وكرامتها. ولكن، سرعان ما اتضح أن الانفجار العربي كان أعمق من التأزم الداخلي، وأنه يعكس انهيارًا متسارعًا في النظام الإقليمي برمته، كذلك. وهذا ما أدركته قوى الثورة المضادة، التي سعت خلال السنوات منذ 2013 ليس إلى إعادة أنظمة الحكم القديمة وحسب، ولكن أيضًا إلى ترميم النظام الإقليمي السابق. 

 

وليس ثمة شك في أن دول مجلس التعاون الخليجي مثَّلت استثناء عربيًّا؛ فبينما ساد عدم الاستقرار في معظم المشرق العربي وغربه، حافظت دول الخليج على استقرارها، وبدأت، بفعل فراغ القوة في الجوار، في لعب دور متعاظم في محيطها العربي. لم تستطع دول الخليج الاتفاق على موقف موحد من حركة الثورة العربية، ففي حين وقفت قطر موقف التأييد لمسار التحول الديمقراطي، وقفت دول خليجية في معسكر الثورة المضادة، بل عملت على تسلُّم قياد هذا المعسكر. ما لم تستطع دول الثورة المضادة رؤيته، كان حجم التدهور الاقتصادي والانقسام السياسي-الاجتماعي، الذي نجم عن تعثر حركة الثورة والتغيير في الجوار العربي، وحجم الانهيار في النظام الإقليمي الموروث عن حقبة ما بين الحربين الأولى والثانية. وفي سعيها المحموم لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لم تلبث قوى الثورة المضادة أن أوقعت مجلس التعاون الخليجي في هوة من الانقسام والعطب وفقدان التأثير. وبعد مضي ما يقارب العقد على اندلاع رياح الثورة والتغيير، لم تعد هناك مؤسسة تنسيق عربية واحدة قادرة على العمل بأية فعالية تُذكَر.

 

لقد شهد العام 2017 عددًا من التطورات المهمة بالتأكيد، سواء على صعيد هزيمة تنظيم الدولة ودحره من مناطق سيطرته في العراق وسوريا، أو على صعيد نجاة العراق، وإن بصعوبة بالغة، من أزمة الاستفتاء الكردي، أو على صعيد تراجع مستويات القتل والتدمير في الحرب الأهلية السورية. ولكن العام نفسه شهد أيضًا اتساع نطاق التدخلات الأجنبية في الشأن العربي، وتحول المنطقة العربية إلى ساحة تدافع إقليمي ودولي. كما أضاف اندلاع أزمة الخليج مزيدًا من التأزم على المناخ العربي المتأزم أصلًا. وباتخاذ إدارة ترامب قرارها حول القدس، وتباين مواقف الدول العربية والإسلامية من القرار الأميركي، أصبح الوضع في المشرق أكثر تعقيدًا.  

 

خلال كل هذه التطورات، سواء في بُعدها الخليجي أم العربي أم الدولي، لعب الإعلام دورًا فاعلًا ومؤثرًا تارة بالتفسير والتنوير وأخرى بالتبرير والتحريض وتوسيع نطاق الخلاف. ينطبق ذلك على المشهد الإعلامي بمختلف ألوانه ومستوياته، كما يشمل التقليدي منه والجديد. ونظرًا لهذا الترابط العضوي بين التطورات على أرض الواقع وكيفية نقلها وتكييفها للمتلقي، فقد أضحى الإعلام موضوعًا لا غنى عن بحثه لفهم علاقته بالتحولات الجارية وبمختلف الأزمات ومراكز القوة التي تتجاذبها وتسعى إلى حلها أو إلى مزيد من تعقيدها.  

 

تهدف هذه الدورة من منتدى الجزيرة إلى استطلاع الأبعاد المختلفة للتأزم السياسي-الاجتماعي في المنطقة العربية وجوارها الإقليمي، والأدوار التي باتت تلعبها القوى الدولية في هذه الأزمات. هل ثمة علاقة ما بين الصراع المحتدم منذ 2010 على مستقبل المنطقة العربية وسعي السعودية والإمارات إلى حصار قطر وإخضاعها؟ أي مستقبل يمكن تصوره للدول التي عاشت مناخًا مستمرًّا من الحرب والانقسام خلال السنوات القليلة الماضية، مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا؟ هل عادت القضية الفلسطينية لتحتل موقعها التقليدي في تحديد سياسات دول المنطقة وعلاقاتها؟ ما الذي تسعى الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، والدول الأوروبية الرئيسة، إلى تحقيقه في المشرق؟ وأي أثر تتركه السياسات التركية والإيرانية النشطة على استقرار المنطقة ومستقبلها وعلاقات شعوبها؟ وكيف نفهم دور الإعلام وعلاقته بما يحدث من تطورات في المنطقة وخارجها؟

 

 

محاور المنتدى

  1. عام على الأزمة الخليجية: حصيلتها ومساراتها المقبلة
  2. الخليج وإيران بين التعاون والتنافس واحتمالات المواجهة
  3. هل تفجر الأزمات الاجتماعية والاقتصادية موجة ثانية من التغيير في المنطقة؟
  4. الشرق الأوسط في ظل تغير التحالفات الإقليمية والدولية
  5. القضية الفلسطينية في سياق الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل وترتيبات "صفقة القرن"
  6. الإعلام أثناء الأزمات والمراحل الانتقالية
  7. أي سيناريوهات مستقبلية تنتظر منطقة الشرق الأوسط؟