أخبار

مدير الجزيرة للدراسات: المنتدى ناقش قضايا المنطقة دون إملاءات أو وصاية

توجه الدكتور محمد المختار الخليل، مدير مركز الجزيرة للدراسات، خلال كلمته الختامية لفعاليات منتدى الجزيرة الثالث عشر، بالعاصمة القطرية، الدوحة، والذي عُقد تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، بالشكر لكافة المشاركين بأعمال المنتدى؛ حيث شهد انعقاد 7 جلسات رئيسية و3 جلسات موازية تناولت كافة القضايا الإقليمية والدولية ذات الصلة بالأزمة الخليجية الراهنة بين دولة قطر من جهة ودول المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ومصر من جهة أخرى.

وأعرب الخليل عن خالص امتنانه لدولة قطر على استضافتها للمنتدى دون إملاءات أو وصاية على موضوعات النقاش أو المشاركين من مختلف بلدان العالم؛ حيث شارك في المنتدى لفيف من الباحثين والإعلاميين والسياسيين من توجهات ومشارب فكرية وسياسية مختلفة، بهدف واحد هو تبادل الآراء في القضايا التي تثير اهتمام الرأي العام الإقليمي والدولي، وتُراعى في نقاشاته قواعد الموضوعية، والتوازن، واحترام الرأي والرأي الآخر.

الجلسة السابعة: مستقبل الدور الخليجي في إعادة تشكيل توازنات القوى في الشرق الأوسط

ناقشت الجلسة السابعة والأخيرة من منتدى الجزيرة الثالث عشر مستقبل الدور الخليجي في إعادة تشكيل توازنات القوى في الشرق الأوسط، ضمن فعاليات منتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي عُقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019. وأشار ستيفن رايت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة حمد بن خليفة في قطر، إلى أن إعادة الاتزان للموقف السعودي-الإماراتي لا يمكن أن يتحقق في الأمد القصير، موضحًا أن السلوك السعودي-الإماراتي سيستمر وربما يرسم سياساتهما المستقبلية والتي زادت من التباعد بينهما وبين قطر.

وقال رايت: هناك سياسة توسعية ينتهجها المحور السعودي-الإماراتي تندرج تحت ما يمكن تسميته بـ”السلطوية التقليدية”. وأضاف أن ثمة تباعدًا في هذه السياسة مع السياسات القطرية الداعمة لتحرر الشعوب وإقامة الديمقراطية ومنح دور أكبر للشباب في عملية البناء. وأشار إلى أن تناقض السياسات السعودية-الإماراتية مع سياسات قطر بلغ مراحل متقدمة جعل هذا المحور يناصب قطر العداء. وأكد أن النفوذ الأميركي والصراع مع إيران لا يمكن استبعاده عما يحدث في المنطقة.

وأشار رايت إلى دور التغيرات الاقتصادية وتأثيراتها على المنطقة خاصة مع تطور آلية النفط الزيتي الصخري في الولايات المتحدة وما قد يسببه ذلك من تأثير على منطقة الخليج التي تعتمد بشكل أساسي على تصدير النفط، وقد فسَّر رايت ذلك بانحسار النفوذ الأميركي في المنطقة بسبب اعتمادها على النفط الصخري، معتبرًا أن انحسار الدور الأميركي في المنطقة قد يؤدي إلى توسع النفوذ الصيني.  

من جهته، ركز الخبير الاقتصادي، ممدوح سلامة، على ظهور العملة الصينية الخاصة بصفقات النفط “البترو يوان” وما تسبب فيه ظهور هذه العملة من إرباك للسوق العالمية وما أحدثته من تأثير على السوق الخليجية بشكل خاص. وأضاف أن الصين تريد من خلال إطلاق عملتها الجديدة أن تعكس قوتها الاقتصادية؛ إذ ستؤثر هذه العملة على اقتصاد الخليج وبيع النفط في العالم. وخاطب ممدوح، دول الخليج قائلًا: “عليكم أن تُسقطوا ربط عملتكم بالدولار، لأن لديكم ما يكفي من الإنتاج النفطي لتغطية عملاتكم، يجب أن تفعلوا ذلك لأن أميركا تتلاعب بأسعار النفط”.  وأشار ممدوح إلى ذكاء الانسحاب القطري من منظمة الأوبك، وقال: قطر تتصرف كرجل أعمال بارع، وانسحابها قد يكون من أجل تفادي الاستفزازات السعودية-الإماراتية في المنظمة.

وأوضح هاني البسوس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان، أن منطقة الخليج منطقة استثمارية ومحط أنظار العالم وما يحدث فيها من تغييرات وتوازنات لا يمكن إبعاده عن التدخل الأميركي. وأضاف أن هناك ثلاثة محاور رئيسية في المنطقة، وهي: تركيا، وإسرائيل، والسعودية، والتي تعكس صراع الهيمنة في المنطقة، وارتكز هذا الصراع على ثلاث قواعد، تتمثل في: العلاقات والمصالح، والهواجس الأمنية، والأيديولوجيا ونظام الحكم.

وأكد البسوس أن الولايات المتحدة الأميركية تصمت عمَّا تقوم به السعودية والإمارات في المنطقة من حروب واستفزازات في المنطقة، مقابل بعض المصالح منها تأمين السعودية لسوق النفط بعد فرض العقوبات على إيران. وقال: إن الوصول إلى حل للأزمة الخليجية في المدى الطويل يتطلب أن تواصل عُمان والكويت جهودهما في هذا الإطار حتى نضمن بقاء أقل مستوى من التلاقي.

وأكد السياسي والإعلامي العراقي، وليد الزبيدي، أن الصورة التي تعبِّر عن واقع المنطقة والأمة ليست مشرقة ولا مطمئنة، وأشار إلى أن الهدف الأهم والأبرز للولايات المتحدة في المنطقة هو حماية إسرائيل، فكل ما يحدث هو بالأساس من أجل حماية إسرائيل. وأضاف أن بوش الابن خاطب الأميركيين قائلًا: “قمنا باجتياح العراق من أجل أمن إسرائيل”. وختم الزبيدي كلمته بالقول: ما يحصل من خلافات عربية واضح أنه يصب في مسار واحد وهو مسار التطبيع مع إسرائيل وتوفير الأمن لها.  

الجلسة السادسة: الإعلام العربي والدولي في مواجهة الجريمة السياسية

تناول أكاديميون وصحافيون استقصائيون، التحديات التي تواجه الإعلام والصحافة الاستقصائية في الكشف عن الجريمة السياسية، مشيرين إلى سطوة الأنظمة الحاكمة على السياسات الإعلامية وتحول الصحافي إلى هدف وعدو تجب تصفيته في العالم العربي. وأشار المشاركون في الجلسة السادسة بعنوان “الإعلام العربي والدولي في مواجهة الجريمة السياسية”، ضمن فعاليات منتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي ينعقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، إلى استهداف بعض الأنظمة الحاكمة للصحافيين ليس بالقتل فقط وإنما بحملات التشويه والقصص المختلقة وهو ما تم مع قناة الجزيرة وبعض صحافييها، مؤكدين أن الجزيرة كانت متميزة بالبحث عن الحقيقة بأسلوب استقصائي جذاب ومثير في قضية مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وقال هاشم حسن، عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد: إنه لا يوجد توصيف للجريمة السياسية في التشريعات العربية إلا من الناحية الجنائية منوهًا بأن الصحافي في الجريمة السياسية يكون هو المتهم وليس الحكومة أو السلطات وأن المشكلة الجوهرية التي يعاني منها الإعلام العربي أنه باتجاه واحد وانعكاس لسياسات الدولة التي يعمل بها. وشدَّد حسن على أن الجزيرة كانت متميزة بالبحث عن الحقيقة في جريمة مقتل خاشقجي بأسلوب استقصائي جذاب ومثير.

بدورها، تحدثت جيسيكا أرو، صحفية استقصائية من فنلندا، عن تجربتها قائلةً إنها قبل 4 سنوات بدأت الكتابة عن روسيا ووجدت هجومًا كبيرًا ضدها على وسائل التواصل الاجتماعي من شخصيات تكتب بأسماء مستعارة دعمًا للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وسياساته. وأضافت: “واجهت سلسلة من الحملات بأكثر من 250 خبرًا وتقريرًا زائفًا انطلقت من روسيا بأخبار كاذبة تزعم أنني مجرمة ولست صحافية وبدأ البعض يرسل لي تهديدات بالسجن والقتل”. وأشارت إلى كشفها هذه الحملات للعلن مؤكدة أهمية التصدي لها وإلا سيواصل الديكتاتوريون نهجهم في مطاردة الصحافيين.

من جانبها، نوهت باربرا تريونفي، المديرة التنفيذية لمعهد الصحافة العالمي، بأن “قضية مقتل خاشقجي وطريقة التعامل معها من قبل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، جعلتنا نشعر بأن العالم الحر الذي نعيش فيه والقائم على عدد من القيم بدأ ينهار وأثارت قضية خاشقجي هذه المخاوف”.

وأشارت إلى إشكاليات النظام العالمي الراهن، بعدم قدرة البلدان على إنفاذ سياساتها على بلدان أخرى، وأبرزت تجربة محاكمة الولايات المتحدة لقتلة سفير تشيلي على أرضها وطالبت بضرورة ممارسة الضغط على قتلة خاشقجي للمحاكمة أمام المحاكم الأميركية باعتبار جريمة قتله انتهاكًا لحرية الرأي والتعبير التي ينص عليها التعديل الأول بالدستور الأميركي.

من جهته، قال صلاح نجم، مدير الأخبار في قناة الجزيرة الإنجليزية: إن الجزيرة الإنجليزية تحرَّت الدقة قبل السبق في قضية مقتل خاشقجي وأكدت على أهمية تحديد المسؤولية الجماعية لتحديد إطار الجريمة وعدم اقتصارها على شخص أو اثنين. وقال: إنه بمجرد التقصي ومتابعة مثل هذه الجرائم، تبدأ الأنظمة بمحاولة اغتيالك حتى بحملات تشويه وهو ما تم بمهاجمة قناة الجزيرة وبعض صحافييها بالكثير من القصص المختلقة.

ونوه بأن من يرتكب جريمة سياسية في الماضي كان يحاول إخفاءها، أما الآن فيريدون أن تكون معروفة لإثارة خوف الشعوب ووسائل الإعلام التي تتابع مثل هذه الجرائم.

الجلسة الخامسة: تحديات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط: الخليج – إيران – إسرائيل

ناقش خبراء ومفكرون، في الجلسة الخامسة، السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط والتحديات التي تواجهها، سواء تجاه دول الخليج العربية أو إسرائيل أو تجاه إيران، ضمن فعاليات منتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي ينعقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، وشكَّك هؤلاء الخبراء في مصداقية الإدارة الأميركية لتكون شريك سلام قويًّا ومستقلًّا في حل القضية الفلسطينية، وخلصوا إلى أن المنقطة تعيش حالة انكشاف استراتيجي.    

وأكد محمد الشرقاوي، باحث أول في مركز الجزيرة للدراسات، أن هناك الكثير من المفارقات فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس، دونالد ترامب؛ حيث تبدو صورة الوضع معقدة وتبرز فيها حرب تجارية ضد الصين وعقوبات ضد إيران، ويعكس ذلك التخبط الذي تعيشه إدارة ترامب. لقد أثارت قرارات ترامب والتي كان آخرها ما يتعلق بهضبة الجولان، الشك في عدم مصداقية الإدارة الأميركية لتكون شريك سلام قويًّا ومستقلًّا.  

وأشار الشرقاوي إلى أن مواقف ترامب تفتقد إلى الرزانة؛ حيث القفز من استراتيجية إلى أخرى، وتحول من موقف في قضية ما إلى موقف آخر، هذه السياسة التي يتبعها ترامب ترتبط باحتكار القرار السياسي وهي مسألة مناوئة لمؤسسة الرئاسة وحتى للديمقراطيين في الكونغرس.

من جهته، أشار الكاتب والمحلل السياسي الأردني، عمر عياصرة، فيما يتعلق بالسياسات الأميركية في الشرق الأوسط، إلى أن هناك توحشًا مثلما يحدث للقضية الفلسطينية وفي قلبها القدس عندما قال ترامب: “احسموها لصالح إسرائيل”، موضحًا أن “ترامب ليس هو السبب الوحيد فيما نحن فيه بل هناك عامل آخر مهم وهو “عامل القابلية”، أي: أن يَفْعَلَ بِنَا ما يشاء، هذه القابلية جعلتنا عرضة لتطبيق سياسات ترامب ورغباته”.

وأوضح أن الإدارة الأميركية تنتج صراعات داخلية لتستمر في هذا الوضع الذي تستفيد منه جيدًا، لذلك يرفض الأميركيون أو يتجاهلون صوت الحكمة الكويتي الداعي إلى حل القضايا دبلوماسيًّا. وعلى الرغم من الحديث عن التوسع الروسي والصيني والذي تدعو الولايات المتحدة الأميركية إلى وقفه، لا تزال أميركا هي المسيطرة في المنطقة وتستخدم الإمارات والسعودية في خدمة إسرائيل.

وأوضح الباحث المتخصص في الشأن الفلسطيني، محمود جرابعة، أن المنطقة تقوم على ثلاث ركائز إقليمية، هي: السعودية وإسرائيل وإيران. وتدور السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط حول هذه القوى الثلاثة التي تشكِّل التوجه العام للمنطقة، مشيرًا إلى أن الرؤية الأميركية لم تعد قائمة على حل الدولتين وقضية الاستيطان وحق العودة؛ فهذه الأمور ليست مطروحة على الطاولة بالنسبة لإدارة ترامب، فالسياسة الأميركية الجديدة تقوم على إيجاد حلول من طرف واحد وفرضها على الجانب الفلسطيني. كما تسعى الإدارة الأميركية إلى إضعاف السلطة الفلسطينية من خلال منع المساعدات وذلك لإجبارها على الدخول في مفاوضات غير مشروطة مع الإسرائيليين، منها فرض تسوية تشمل أبوديس عاصمة للدولة الفلسطينية.

وأوضح جرابعة أن استراتيجية السلام أصبحت معكوسة فبدلًا من إقامة السلام ثم التطبيع مع إسرائيل كثمن لهذا الخيار أصبحت بعض الدول الخليجية تستخدم الضغط على الفلسطينيين من أجل فرض السلام عليهم بدون أي ضمانات ولا حلول، وقد نجحت إسرائيل كثيرًا في تمرير هذه الرؤية.

وقال سيد محمد مرندي: إن الإدارة الأميركية الجديدة تسببت في مشاكل مع روسيا والصين ودول أخرى في إفريقيا وأميركا اللاتينية، وكان آخر فصول هذه السياسات تجويع الشعب الفنزويلي، وأضاف: لقد تسببت إدارة ترامب بعزل الولايات المتحدة وذلك نتيجة السياسات التصعيدية، وخلقت توترًا كبيرًا في المنطقة، وعلى الرغم من محاولاتها الآن خلق تحالفات جديدة في المنطقة لتمرير مشاريع استراتيجية إلا أنها تواجه صعوبات كبيرة خاصة أن الوقت لم يعد في صالحها.

الجلسة الرابعة: سباق التسلح في الشرق الأوسط: واقعه ومآلاته

اتفق خبراء وأكاديميون على احتدام سباق التسلح في منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة محذرين من دخول مجموعات وأطراف من غير الدول في هذا السباق ما ينذر بمزيد من التوترات في منطقة لا تنقصها الأزمات والصراعات.

ونوَّه المشاركون في الجلسة الرابعة التي حملت عنوان “سباق التسلح في الشرق الأوسط: واقعه ومآلاته”، ضمن فعاليات منتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي ينعقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، بأن المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الأولى كأكبر مستورد للسلاح في العالم، فيما أكدوا أن هذه النفقات لا تعكس القدرات العسكرية الحقيقية للدول بدليل عدم تحقيق انتصار يُذكر في الحرب الدائرة في اليمن منذ أربع سنوات.

وأوضح بيتر وايزمان، باحث أول بمعهد ستوكهولم الدولي للسلام، خلال استعراضه تقرير المعهد السنوي عن مبيعات الأسلحة في العالم، أن النفقات العسكرية تزايدت في السنوات الخمس عشرة الماضية فيما شهدت زيادة لافتة في السنوات الخمس الأخيرة. وأشار التقرير إلى أن السعودية احتلت المرتبة الأولى عربيًّا والثالثة عالميًّا في الإنفاق العسكري بعد الولايات المتحدة الأميركية والصين.

وبيَّن أن السعودية أكبر مستورد للسلاح في العالم حتى عام 2018 تليها مصر والإمارات، مشيرًا إلى أن النفقات الكبيرة على شراء الأسلحة لا تعكس قدرات عسكرية حقيقية في التدريب والقيادة ونوعية السلاح وملاءمته للأهداف، وتساءل إن كان شراؤه للاستخدام أم للاستعراض والتفاخر.

ونوَّه بحدوث تغيير وصفه بالكبير في منطقة الخليج حيث إن شراء الأسلحة لم يعد للاستعراض؛ إذ تستخدمه السعودية والإمارات، في اليمن وسوريا وليبيا الآن. وتساءل وايزمان، عن رؤية القيادات في السعودية، لجدوى النفقات العسكرية التي تقوم بها، بعد ثبوت عدم قدرتها على الانتصار في اليمن.

من جهته، قال مراد يشلتاش، مدير برنامج الدراسات الأمنية في معهد سيتا في تركيا: إنه من الأهمية بمكان الأخذ في الاعتبار الإحصائيات التي تكشف حجم التطور في سباق التسلح، وأن نفهم ردة فعل تركيا إزاء هذه التحولات الاستراتيجية في المنطقة وذلك بمحاولة الإجابة على سؤالين، هما: ما طبيعة سباق التسلح الحادث الآن؟ وما التحولات الجيوسياسية بعد تحولات الربيع العربي؟

وقال يشلتاش: إن هناك 3 احتمالات لسباق التسلح: بِبِنْيَة أحادية تقودها الولايات المتحدة، أو بنية متعددة الأقطاب تصوغ فيها 5 دول أساسية المعالم الجيوسياسية في الشرق الأوسط، والبديل الثالث، الذي يشكِّل احتمالية كبرى للأمن شرق الأوسطي، هو غياب الأقطاب برمتها وتولي الدول والأطراف من غير الدول الأمور بما يمكن أن يفضي إلى فوضى في سباق التسلح في المنطقة.

بدوره، استعرض مسعود أسد اللهي، باحث إيراني متخصص في الدراسات الأمنية، تطورات سباق التسلح في منطقة الشرق الأوسط، تاريخيًّا، مؤكدًا عدم وجود هذا السباق قبل خمسين عامًا. وأكد أن استمرار سباق التسلح لا يرتبط فقط بالمال وإنما أيضًا بخلق فوبيا أو رهاب من أمر ما أو بلد ما، ففي السبعينات كانت الفوبيا من الشيوعية، والثمانينات فوبيا الثورة الإيرانية ثم “العراق فوبيا” في التسعينات والخوف العربي من صدام حسين وصولًا إلى “إيران فوبيا”. وحذَّر اللهي من خروج السلاح الخليجي عن السيطرة، باستخدامه ضد اليمن وتهديد وحصار قطر؛ ما ينذر بوضع خطير جدًّا بانفلات السلاح الخليجي وعدم السيطرة عليه.

واقترح إقامة تعاون إقليمي واسع بين بلدان المنطقة مع بعض البلدان خارجها، يضم إيران وتركيا وقطر والعراق والكويت وسلطنة عُمان والهند وباكستان لمواجهة ما وصفه بفلتان السلاح الخليجي.

من ناحيته، قال الصحفي أندريه فرولوف، رئيس تحرير مجلة الدفاع في موسكو: إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ظلت منطقة تقليدية فيما يتعلق بسباق التسلح، وتدر الكثير من المال على خزائن موسكو بما تشتريه من أسلحة، موضحًا أن الميزانيات الضخمة لهذه البلدان تمكِّنها من شراء أسلحة متطورة، وتُعَدُّ الإمارات والجزائر ومصر -على سبيل المثال- الزبائن الأوائل لسوق الأسلحة الروسية المتطورة، وهذا التوجه لا يزال قائمًا.

وأكد أن روسيا وظَّفت المسرح السوري لاختبار العديد من الأسلحة الجديدة، ولعب ذلك دورًا مهمًّا في الترويج للأسلحة الروسية في المنطقة، مشيرًا إلى أن هذا الترويج يمكن أن يؤتي أكله بعد سنوات.

فرانكي: الشجاعة السياسية والصبر الدبلوماسي مدخل لتجاوز الصراعات

أوضح بنديكت فرانكي، المدير التنفيذي للعمليات بمؤتمر ميونخ للأمن، خلال حفل العشاء في اليوم الأول من أعمال منتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي ينعقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، أن منطقة الشرق الأوسط عُرفت بكثرة النزاعات والصراعات. ورغم ذلك فإن مؤتمر ميونخ للأمن عرف هذه السنة، 2019، نوعًا من الأمل؛ وذلك بناء على النقاط الآتية:

– أظهر المؤتمر أن منطقة الشرق الأوسط تواجه حالة متردية، وهناك وعي أكثر بأن الكثير من الصراعات كامن تحت الرماد، كما أن ثمة أكثر من متغير يمكنه أن يساعد في تأجيج الصراع بالشرق الأوسط كالتحولات الديمغرافية، والتغييرات المناخية وزيادة الصراعات الأمنية.

– بيَّن مؤتمر ميونخ أن الدبلوماسية الهادئة والعقلانية قد تنجح في تقديم مقاربة سياسية متبصرة تبدي بعض التعاطف والعقلانية.

– أن بعض شركاء ميونخ قدموا اقتراحات ملموسة وحلولًا لبعض المشاكل.

وفي سياق تشخيصه للوضع في منطقة الشرق الأوسط، توقف فرانكي عند ثلاث محطات:

 

أولًا: اللحظة الميكيافيلية  

أوضح فرانكي أن هناك لحظة يمكن تسميتها باللحظة الميكيافيلية التي بإمكانها اقتناص تصور للحل حتى ولو كانت الصورة قاتمة في هذه المنطقة. وقد خصص المؤتمر عامًا كاملًا لقضايا منطقة الشرق الأوسط (سوريا، وفلسطين، وإيران، والخليج…). وأضاف أن الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية أصبحت يائسة مما يجري في الشرق الأوسط، فكل جهة تشكو من أن الشرق الأوسط تحول إلى مكان تجتمع فيه جميع الأزمات، فضلًا عن غياب قيادات سياسية متبصرة. وقال: “لقد دعونا العديد من الأطراف المتنازعة لكن كلًّا منها رفض الجلوس مع أعدائه، والبعض تخوف من أن شعوبهم سوف تنتقدهم لذلك رفضوا الحضور. لقد أظهر مؤتمر ميونخ كيف أن الوضع سيء في الشرق الأوسط، وأن الأنظمة مهددة، وهذه هي اللحظة الميكيافيلية التي ينبغي للجميع اقتناصها والاستفادة منها”.

 

ثانيًا: الدبلوماسية المتبصرة

أكد فرانكي أن الدبلوماسية قادرة على النجاح وأن القيادة السياسية يمكن أن تتخطى الكثير من العقبات، وهناك أمثلة كثيرة لعل أبرزها قضية شمال مقدونيا واليونان؛ حيث بدأ الحوار بين الطرفين وانتهى إلى حل المشكلة. وكذلك أزمة إثيوبيا وإريتريا التي دامت عقدين واستطاع الطرفان حلها في أقل من أربعة أسابيع فحصل اتفاق من خلال الحوار، “لذلك لابد من الشجاعة السياسية والصبر الدبلوماسي لتجاوز الصراعات”.

 

ثالثًا: اتفاقية وستفاليا تاريخ يمكن الاستفادة منه

أوضح فرانكي أن مؤتمر ميونخ خرج بوصفات منطقية ومفيدة للتقدم، والمقصود ما حصل سنة 1648 في أوروبا بعد ما بات يعرف بحرب الثلاثين عامًا، حيث كثرت الأزمات في أوروبا وانعدم الأمل بالإضافة إلى انتشار العداءات الطائفية. والواقع أن ذلك التاريخ يشبه ما يجري الآن في الشرق الأوسط من صراعات سياسية ومذهبية. لافتًا إلى أن القرن السابع عشر يختلف عن القرن الحادي والعشرين، “لكن اتفاقية وستفاليا ترسم خريطة محددة وتعطينا أفكارًا لا يمكن استنساخها طبعًا، بل يمكن استلهام ركائزها التي تتمثل في المفاوضات والحوار بين الفرقاء. لقد كانت سنتان كافيتين لبناء سلام وستفاليا فتم تجاوز الصعوبات. فهذه لحظة ميكيافيلية بامتياز”.

وأكد بنديكت فرانكي، في ختام كلمته، أن قوة القيادة السياسية تكمن في شجاعتها وفيما تحمله من تعاطف وقدرة على اقتناص اللحظة الميكيافيلية.  

سواق: الجزيرة ستبقى منبر حوار للفهم العميق من أجل مجتمع أكثر سلامًا

ذكر الدكتور مصطفى سواق، المدير العام لشبكة الجزيرة الإعلامية، خلال حفل العشاء في اليوم الأول من أعمال منتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي ينعقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، أن شبكة الجزيرة دأبت منذ ثلاثة عشر عامًا على تنظيم المنتدى للاستماع، وجعلت منه منبرًا للجميع من صانعي القرار والمفكرين والإعلاميين، يجتمعون في صعيد واحد لتطارُح الأفكار. وأضاف أن المنتدى الثالث عشر لهذا العام يُنظَّم بإشراف مركز الجزيرة للدراسات وليس ذلك اعتباطًا، لأن المركز منوط به البحث العلمي والتقيد بأدوات العمل الأكاديمي والمعرفة المعمقة “لكننا في الجزيرة لا نكتفي بالنقاش والحديث بل ننطلق إلى متابعة البحث وتعميق التجربة. وهذا المنتدى الثالث عشر هو منبر حوار يتحدث فيه الجميع دون رقابة أو توجيه أو ضغط، فالكل متاح له الحديث كما يريد وكيف يريد”.

وأوضح الدكتور سواق أنه صار من تقاليد شبكة الجزيرة أن تهتم في كل عام بقضية من قضايا المنطقة العربية، فتوضع على بساط البحث من أجل الخروج بنتائج تساعد على تصور أفضل، مشيرًا إلى أن “الصراعات تصاعدت في المنطقة طوال القرن العشرين وفي هذا القرن الذي نعيش فيه الآن، وتعددت أسبابها بين اللاعبين الدوليين والإقليميين. ولعل أحدث الأزمات هي الأزمة الخليجية التي قاربت العامين وصبَّت الزيت على ما كان قبلها من صراعات”. وأظهرت هذه الأزمة، في نظر الدكتور سواق، هشاشة العمل العربي المشترك، كما هزت وأربكت المنظومة الخليجية وهدَّدت النسيج الاجتماعي الخليجي، وبذلك تراجع دور المنطقة استراتيجيًّا ولم تلعب أي دور مؤثر في محيطها. ويبدو أن حصار قطر لم يكن كافيًا فجاء اغتيال الصحفي جمال خاشقجي ليزيد الطين بلة ويدمر عوامل الثقة ويهدم المفهوم الدبلوماسي، فاهتزت المنطقة لأن ما بعد حادثة قتل خاشقجي، ليس كما قبلها.

وقال: إذا كانت الأزمة الخليجية قد أفقدت منطقة الخليج دورها الاستراتيجي فقبل ذلك كانت الحرب على اليمن التي تُعَدُّ حربًا إقليمية بامتياز، لكنها لم تحقق أي هدف من أهدافها، وتحول اليمن إلى حالة لأسوأ الكوارث الإنسانية، حسب تقارير الأمم المتحدة. وجاءت العقوبات الأميركية على إيران لتفاقم الوضع في الإقليم وأثَّر ذلك على علاقات الدول فيما بينها، وعلى علاقاتها بمحيطها، وأصبح سباق التسلح مفتوحًا في المنطقة.

وأشار الدكتور سواق إلى أن شبكة الجزيرة تبدي أسفها لعدم استطاعتها توجيه دعوات إلى من ترغب في دعوته من باحثي دول الحصار؛ حيث تخشى الجزيرة أن يلحق بهم سوء بسبب التواصل معهم، ورغم ذلك حضر منتدى الجزيرة الثالث عشر من استطاع من هؤلاء القادمين من المنافي والشتات.

وذكر أن إسهامات المشاركين في هذا المنتدى تتميز بالجودة والقيمة، لأنها تجعل المتابع للجلسات يحس أنه تعلم جديدًا ليس مجرد معلومات بل “وجهات نظر تدفعنا إلى أن نقلِّب الفكر من خلال أكثر من منظور وأكثر من مقاربة. لقد أحسسنا اليوم أننا نمر بتجربة متميزة من تجارب منتديات الجزيرة غير مسبوقة من حيث العمق وهذا هو ما نبحث عنه”.

وأضاف أن شبكة الجزيرة الإعلامية لا تسعى لتغطية الأخبار مفصولة عن سياقاتها، بل تقدم فهمًا؛ “فنحن في الجزيرة نسعى لوضع الأحداث في سياقها التاريخي والاجتماعي، وهذه الخلفيات المهمة تجعل الجمهور يتفهم فهمًا غير أفقي، فذلك ليس كافيًا، بل لابد من فهم عمودي عميق يؤدي إلى الإحاطة والشمول. وهذا ما أتى به الباحثون الحاضرون معنا في هذا المنتدى وتم بثه على شاشة الجزيرة”. وذكر أن هدف مركز الجزيرة للدراسات ليس مجرد إعداد أوراق بحثية أو نشر كتب، بل أيضًا تقديم هذه الخدمة المهمة جدًّا التي تجعل مشاهد الجزيرة يفهم الأمور بعمق، موضحًا أن الصحفي يكون مستغرقًا في الأحداث وتدفقها، لذلك فإن عمل مركز الجزيرة للدراسات هو تقديم هذا السند القوي ومنح الصحفي والمشاهد العمق الضروري.

وأكد الدكتور، سواق، في ختام كلمته أن الجزيرة ستبقى ساحة حوار ومنبر تفاعل تُناقَش فيه الأفكار وينتج الفهم العميق من أجل مجتمع أكثر سلامًا وانسجامًا.

الجلسة الثالثة: اغتيال خاشقجي: أزمة أخرى تزيد في تعقيد المشهد الإقليمي

أكد باحثون وإعلاميون شاركوا في الجلسة الثالثة، ضمن منتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي ينعقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، أن قضية مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول زادت من تعقيد المشهد الاقليمي، فيما أثنوا على الدور، الذي وصفوه بالمهم، لقناة الجزيرة في تسليط الضوء وإبراز هذه الجريمة غير المسبوقة.

ونوَّه المشاركون بالتداعيات الإقليمية لجريمة اغتيال خاشقجي وتأثيرها على العلاقات التركية-السعودية وعلى الصراع في اليمن المستمر منذ 4 سنوات دون نتائج أو أفق لنهاية العمليات العسكرية التي تقودها المملكة العربية السعودية.

وأشاد الصحفي التركي، فرحات أونلو، وهو أحد مؤلفي كتاب “الوحشية الدبلوماسية حول جريمة قتل خاشقجي”، بقناة الجزيرة لدورها الكبير الذي لعبته في العالم العربي وتسليطها الضوء على قضية خاشقجي.

وقال: إن هذه الجريمة أثَّرت بالضرورة على العلاقات السعودية-التركية وكذلك العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، خاصة وأن قتل خاشقجي قضية شائكة وتداعياتها مستمرة على المشهد العالمي. وأضاف أنها كشفت النقاب عن دولة ضربت بعرض الحائط كافة القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية وحتى الدبلوماسية، لافتًا إلى أن العالم بأسره يرغب في معرفة: أين اختفى الجثمان؟

من جانبه، أكد الباحث، علي الذهب، على دور الإعلام الحر في تسليط الضوء على جريمة مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، لافتًا إلى أنها سبقتها جرائم أخرى عابرة للقارات وطالت رئيس الجمهورية اليمنية، إبراهيم محمد الحمدي، عام 1977، ولكنها لم تحظ بنفس الاهتمام الإعلامي.

ونوَّه بأن انتهاك الحريات كان مطروحًا قبل مقتل خاشقجي وأن هذه الجريمة جعلت اليمنيين يفكرون في مصير بلادهم بعد أربع سنوات من الحرب، في إشارة إلى العمليات العسكرية التي تقودها السعودية بدعوى محاربة الحوثيين وإعادة الحكومة الشرعية، وقال: “بدأنا نفكر أن ثمة نوايا سيئة مبيتة ضد اليمن بعد هذه الحرب المستمرة منذ 4 سنوات دون الوصول إلى نتائج”.

بدوره، قال سايمون سبانسويك، المدير التنفيذي لمؤسسة رابطة البث الدولي: إن عملية اغتيال خاشقجي من أكثر جرائم الاغتيال المروعة التي شدت انتباه وسائل الإعلام حول العالم لبشاعتها. وأوضح أن مؤسسة رابطة البث الدولي تعمل جنبًا إلى جنب عدد من الشركاء والمؤسسات الإعلامية بما فيها قناة الجزيرة لرفع نسبة الوعي بين مستقبلي الرسالة الإعلامية حول ضرورة العمل العاجل المشترك لتحقيق وحماية حرية الصحافة، ومساعدتها في أداء رسالتها وتقديم خدماتها بلا عوائق.

الجلسة الثانية: واقع المنظومة الخليجية وتآكل النفوذ السعودي

شهدت الجلسة الثانية من منتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي ينعقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، نقاشات موسعة حول واقع مجلس التعاون في ظل الأزمة الخليجية الراهنة وتآكل النفوذ السعودي بسب السياسات السعودية في المنطقة والتي بدأت تنعكس سلبًا على صورة المملكة.

وأشار النائب الكويتي السابق، ناصر الدويلة، إلى أن فلسفة الحكم السعودي ليست قائمة على اعتراف بحدود معينة حيث تطغى النظرة التوسعية على فلسفة الحكم؛ لذلك تغيرت حدود الدولة السعودية وما زالت في تغير مستمر حتى اليوم. ولفهم الوضع القائم الذي أحدثته الأزمة الخليجية، رأى الدويلة أن هناك حاجة إلى مراجعة السياقات التاريخية التي أظهرت أن الأزمة مرتبطة أساسًا بالتاريخ وفلسفة الحكم، ولا علاقة لها بالجزيرة وما تقوم به من تغطيات.

وتحدث الإعلامي القطري، عبد العزيز آل إسحاق، عن أزمة الثقة بين الدول الخليجية وخطورة هذه الأزمة على مستقبل المنظومة الخليجية. وأضاف: “للأسف فإن هذا الوضعية الناجمة عن انعدام الثقة تقودنا إلى عداوة مستمرة، طالما أن الحكومات تؤجج هذه العداوة وهو ما يزيد الأمر تعقيدًا، بحيث يصبح القطري عدوًّا لكل ما هو إماراتي والعكس صحيح”. وقال: “إن كمية الشحن الكبيرة التي عرفتها شعوب المنطقة خلال هذه الأزمة أوصلتنا إلى نقطة بعيدة”.

وأشار الباحث، مهنا الحبيل، إلى أن المنطقة بدأت تتشكل في محورين أساسين، هما: محور اعتدال، ويضم الكويت وقطر وعُمان، ومحور تصعيد، ويشمل البحرين والإمارات والسعودية. وردًّا على العداء الشعبي الذي أحدثته الأزمة، قال الحبيل: “لسنا في حالة عداء شعبي نهائيًّا رغم ما قام به البعض في الإمارات من القبح والقذارة”، وأكد أنه لابد من الدفع إلى التضامن الاجتماعي والشعبي لحل الأزمة.

وأكد أستاذ علم الاجتماع ومدير معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، طلال عتريسي، أن الربيع العربي تسبب في إرباك المعادلات الجديدة في المنطقة. وأضاف أن هذا الوضع انعكس على المنظومة الخليجية وأصبح كل طرف يريد الحصول على موطئ قدم في سياق التغييرات الجديدة، كما فتحت هذه الوضعية شهية بعض الدول للعب دور لم تكن تلعبه، وخاصة السعودية، فلأول مرة تدخل في حروب مباشرة.

وتحدث الباحث، خالد الرماح، عن البعد المأساوي للحرب في اليمن وفشل السعودية في تحقيق أهدافها، وأكد أن السعودية اتبعت استراتيجية جديدة تتمثل في الابتعاد عن الحلفاء القدامى والحركات القديمة باتجاه حلفاء جدد قيد التكوين والهدف من هذه الاستراتيجية هو وضع مخطط جديد لمواجهة إيران.

الجلسة الأولى: العلاقات الخليجية-الخليجية: عامان على حصار قطر

اتفق خبراء وأكاديميون على استمرار الأزمة الخليجية لعدم معالجتها بشكل استراتيجي طويل المدى يحدد المكسب والخسارة من هذه الأزمة التي تبدو فيها كافة الأطراف خاسرة. ونوَّه المشاركون في الجلسة الأولى التي حملت عنوان “العلاقات الخليجية-الخليجية: عامان على حصار قطر”، ضمن فعاليات منتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي ينعقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، بأن الحراك الشعبي والتطورات الأخيرة في السودان والجزائر وليبيا، يؤكد فشل المحور الخليجي في وأد تطلعات الشعوب نحو الحرية والكرامة في الربيع العربي وأيضًا فشله في إيجاد مشروعية للأنظمة التي يدعمها.

وحذَّر الدكتور ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر، من خطورة النظر إلى الأزمة الخليجية والعلاقات الخليجية-الخليجية باعتبارها منفصلة عن محيطها الإقليمي والدولي لافتًا إلى أن ما حدث في الخليج ليس إلا امتدادًا طبيعيًّا لتغير أساسي في بنية النظام الدولي، وقال: إن الخليج جزء من الحلقة التي يدور فيها المجتمع الدولي الذي انتقل من عالم متعدد الأقطاب إلى أحادي القطب ثم العودة إلى عالم جديد متعدد الأقطاب يلوح في الأفق.

وقال الأنصاري: إن الولايات المتحدة لم تستطع خلال السنوات الماضية أن تثبت قدرتها على حماية الحلفاء ومصالحها بشكل مباشر، وإن هناك حالة من القلق والحذر لدى الإعلاميين والمثقفين من الحراك الحادث في المنطقة العربية، مؤكدًا أنه موجة ثانية للثورات العربية ونتاج طبيعي لفشل الأنظمة في استعادة السيطرة في الحالة العربية بشكل عام.

من جهته، قال الدكتور محمد مختار الشنقيطي، أستاذ الأخلاق السياسية بجامعة حمد بن خليفة: إن قطر استخدمت القوة الحكيمة للتعامل مع الأزمة الخليجية، لافتًا إلى أن هذا المفهوم قائم على المفهوم العربي للحكمة، وهو وضع الشيء في موضعه، وهو المفهوم الذي تتعامل به دولة قطر.

وأشار إلى كُتَّاب آخرين تحدثوا عن القوة اللبقة لدولة قطر، والتي تعد أكثر نعومة من القوة الناعمة، وقال: إن مفهوم القوة الحادة يعني محاولات التأثير غير الشرعية لدول على دول أخرى، مشيرًا إلى أنه مفهوم ينطبق على دول الحصار التي حاولت اختراق دولة قطر من خلال قرصنة وكالة الأنباء القطرية.

وتوقع الدكتور سامي فرج، المتخصص في إدارة الأزمات والتخطيط الاستراتيجي في الكويت، أن تستمر الأزمة الخليجية، لأن معالجتها سياسية بحتة ولا تتعرض للجوانب الاستراتيجية. وأكد أن دور مجلس التعاون الخليجي والدبلوماسية الكويتية هو الحفاظ على استقرار الأزمة وعدم تطورها إلى عمل عسكري، وحتى الآن الأمور مضبوطة.

وقال الدكتور روري ميلر، أستاذ الحكومة بجامعة جورجتاون في قطر: “لم يكن علينا أن نندهش لقرار حصار قطر، لوجود إرهاصات سبقته، وظهور جيل جديد من القادة الشباب في السعودية ودول أخرى حاولوا استعراض عضلاتهم وتوسعة نفوذهم في قطر ودول الشرق الأوسط، عبر تحالفات مختلفة وتهميش الغرماء، ومحاولة اللجوء إلى العنف وأدوات أخرى”.

وتساءل الدكتور ميلر: كيف استطاعت قطر تجاوز الصراع؟ ليرد بالقول: إحدى الاستجابات الأولى كانت مرتبطة بمد جسور مع الولايات المتحدة وتركيا، وقطر استعملت قوتها الاقتصادية بنحو ذكي، رغم أنها ليست بثراء دول الحصار، ولكنها استخدمت مواردها على نحو حكيم، كما استخدمت قطاع الطاقة ككيان يتجنب التهميش والانعزال.

مركز الجزيرة للدراسات يحتفل بإطلاق كتاب تجربة الحكم الرشيد في قطر

نظَّم مركز الجزيرة للدراسات، يوم السبت، 27 أبريل/نيسان 2019، بالدوحة، حفلًا لتوقيع كتاب “تجربة الحكم الرشيد في قطر: روافع التنمية المستدامة والتمكين المجتمعي (1995-2013)”، الذي شارك فيه نخبة من الأكاديميين والباحثين وحررته العنود أحمد آل ثاني. جاء هذا الحفل على هامش منتدى الجزيرة الثالث عشر المنعقد تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي” ويحضره باحثون وخبراء وصنَّاع قرار من دولة مختلفة حول العالم. وقد صاحب حفل توقيع كتاب “تجربة الحكم الرشيد في قطر” نقاش بين عدد ممن حضروا المنتدى حول محتوياته.   

ويتناول هذا الكتاب، الذي حررته العنود أحمد آل ثاني، بالبحث والدراسة، السياسات الداخلية والخارجية التي انتهجها الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، إبَّان فترة حكمه، التي امتدت بين عامي 1995 و2013، وأثرها في التغيير السياسي والاجتماعي الذي شهدته قطر. وينقسم الكتاب إلى مقدمة وسبعة فصول وخاتمة.

وقد اختصَّ الفصل الأول، الذي أعده الدكتور العربي صديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قطر، بالحديث عن الوسائل التي انتهجتها قطر خلال فترة الدراسة من أجل تكييف سياستها وبرامجها على المستويات الاجتماعية والسياسية لتحقيق التوازن بين الأصالة التي تحافظ من خلالها على القيم المجتمعية وبين المعاصرة التي تمكِّنها من مسايرة منجزات العصر والاستفادة من التقدم في أساليب الحكم والإدارة. وسلَّط الدكتور عمر البوبكري، أستاذ القانون العام بالجامعة التونسية، في الفصل الثاني من الكتاب، الضوءَ على انتهاج قطر لسياسة التنمية المستدامة وأثرها على ديمومة الموارد وتنميتها من أجل الجيل الحالي والأجيال المستقبلية، وما تتطلبه التنمية من دعم للشفافية ومحاربة للفساد. أما الفصل الثالث، فقدَّم فيه الدكتور حسن السيد، أستاذ القانون الدستوري بكلية القانون في جامعة قطر، قراءة تحليلية للدستور القطري الدائم، الصادر سنة 2004، من زاوية علاقته بمبادئ الحكم الرشيد، اعتمادًا على منطوق مواد الدستور وروحه.

في حين تناول الفصل الرابع، الذي أعده الدكتور شاكر الحوكي، أستاذ القانون العام في كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بتونس، الانتخابات البلدية في قطر التي تم تنظيمها بشكل دوري ابتداء من عام 1999. ويُبيِّن كيف أن هذه الانتخابات لم تكن خطوة في طريق ترسيخ الممارسة الديمقراطية بوصفها تقوم على المشاركة الفعلية للمواطنين فقط، بل شكَّلت كذلك خطوة مهمة في طريق إرساء قواعد الحكم الرشيد وتحديث المجتمع.

وأبرز الفصل الخامس، الذي أعده الدكتور ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر، مسار التحولات الاجتماعية والسياسية التي عرفها عهد الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، في سياق المشروع التنموي لقطر، ورصد معالم النهضة التي تحققت في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، خاصة الإنجازات التي شهدها حقل التعليم ومشاركة المرأة في التنمية المجتمعية وتطور المجتمع المدني.

وركَّز الفصل السادس، الذي أعدته العنود أحمد آل ثاني، الباحث الأول والمستشار بمركز الجزيرة للدراسات، على سياسات تمكين المرأة لصناعة التنمية المستدامة، واستقصت دور الحكم الرشيد في تمكين المرأة القطرية اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا من خلال الدينامية السياسية التي أوجدها الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، مباشرة بعد تسلمه مقاليد الحكم في العام 1995. أما الفصل السابع، الذي أعده الدكتور سيف السويدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة قطر، فقد سلَّط الضوء على السياسات والاختيارات الاقتصادية التي تبنتها الدولة خلال فترة حكم الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وانعكاساتها على مسارات التنمية، وبحث العلاقة العضوية بين هذه السياسات والاختيارات الاقتصادية بالحكم الرشيد أو مبادرة الحوكمة الرشيدة في إدارة موارد الدولة وثروات البلاد ومقدراتها وتأمين العيش الكريم للأجيال الحالية والاستجابة لاحتياجاتها والاحتياجات المجتمعية للأجيال القادمة.

مهدي آكار: لا سبيل غير الحوار الشامل لتعزيز الأمن الخليجي والإقليمي

قال الدكتور محمد مهدي آكار، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي السابق: إن تعزيز الأمن الخليجي والإقليمي في المنطقة لن يتم إلا بالحوار الشامل بين كافة الأطراف، والبعد عن العزل الاقتصادي والتهديدات العسكرية. كما حذَّر من أن السياسات الطائفية تفضي إلى استقطاب وتشدد وحروب بالوكالة مثلما يحدث في الأزمة الراهنة في اليمن.

وأشار مهدي آكار في كلمته، خلال الجلسة الافتتاحية لمنتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي ينعقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، إلى أن “منطقتنا واجهت الكثير من القلاقل والاضطرابات في السنوات الأخيرة، من سوريا إلى ليبيا واليمن وأفغانستان، وبخلاف هذه البؤر الساخنة، فالصورة في الخليج معقدة، إن لم نقل: قاتمة، بفعل أزمات تقوِّض أمن ومستقبل أمن الخليج المشترك، ولها تداعيات تتعدى المنطقة”.

وأضاف: “آسف لرؤية الحصار الظالم الجائر المفروض على قطر والذي يستمر لقرابة سنتين. ولسوء الطالع، هذا ما هدد انسجام دول مجلس التعاون الخليجي، بعدما لعب المجلس دورًا أمنيًّا أساسيًّا وإيجابيًّا، وكان مظلة لدول الخليج، خلال السنوات الماضية”، لافتًا إلى أن ثمة ضررًا في العلاقات الخليجية البينية.

واستعرض مهدي آكار رؤية بلاده لحل الأزمة الخليجية الراهنة، قائلًا: “تركيا تريد أمن واستقرار الخليج، لأنه يلقي بظلال إيجابية على تركيا. عندما فُرض الحصار على دولة قطر الشقيقة، هُرعت تركيا لنجدة الإخوان القطريين ووفرنا الكثير من الحاجيات لسد الثغرة في قطر”. وأضاف: “نحن في تركيا نطالب الأطراف بضبط النفس والدخول في حوار غير مشروط للوصول إلى حل. وهناك حاجة للوساطة. وتركيا نظرت إلى القيود المفروضة على قطر، واقتنعت بضرورة رفعها والوصول إلى حوار متبادل، قائم على ضرورة الاحترام التام لسيادة الدول، وعدم التدخل في شؤون الدول وعلاقات حسن الجوار”.

وتطرق المسؤول التركي إلى حصيلة عامين من الحصار، قائلًا: “إن قطر أطلت برأسها أقوى مما كانت في السابق ونوعت من اقتصادها، ونثمِّن اهتمام قطر، برغبتها في أن تصبح جزءًا لا يتجزأ من منظمات دولية مثل منظمة الأمن والتعاون في الاتحاد الأوروبي وتحسين علاقاتها بحلف الناتو”.

وأشار مهدي آكار إلى المبادرات الجديدة لتأسيس تحالفات إقليمية أسوة بما بات يسمى “الناتو العربي”، قائلًا: “شهدنا جهودًا بُذلت لتعزيز البنية الأمنية الخليجية من خلال تعزيز علاقات الدول ببعضها البعض، ومبادرات من قبيل تأسيس تحالفات أمنية مثل “الناتو العربي”، ونحن جاهزون لتعزيز أية مبادرة لتعزيز الأمن العام، ولكن لابد من الإيفاء بمعايير لتكون ذات مغزى وناجحة”.

وعدَّد مهدي آكار الشروط والمعايير التي يمكن أن تسهم في نجاح تأسيس “ناتو عربي”، بالقول: “إن النزاع الخليجي يجب أن يُحلَّ بالاعتماد على المبادئ التي أتيتُ على ذكرها لتعزيز الأمن، وإن أية آلية أمنية يجب أن تلتزم بمبدأ الأمن الشامل الذي لا يتجزأ ولا يكون على حساب دول أخرى. كما أن السياسات المرتبطة بالعزل الاقتصادي والتهديد العسكري تمهد الطريق لتوترات سياسية كبيرة وسباق تسلح، وهذا ما يؤدي إلى نتائج معكوسة”.

وأضاف أن تعزيز الأمن سيكون بالحوار الشامل، وأن يسمو على العزل الاقتصادي والتهديدات العسكرية. كما أن السياسات الطائفية يجب هجرها والتخلي عنها، لأنها تفضي إلى استقطاب وحروب بالوكالة وإلى التشدد، واليمن نموذج لذلك.

وتابع: “إن التوترات والحروب بالوكالة والتهميش لا تهدِّد الأمن في المنطقة فقط، بل تفضي إلى التآكل الدولي، من خلال ما نراه من جريمة قتل بشعة للصحفي جمال خاشقجي، وبينما ننظر إليها كقضية جريمة، نتوقع الكشف عن ملابسات الجريمة بجميع أبعادها”.

المشري: الدول التي حاصرت قطر تدعم حفتر بالمال والسلاح

استهل خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، كلمته بإبراز أهمية المراكز البحثية ودورها الريادي في نشر الوعي ورسم السياسات والاستراتيجيات، وقال: “إن أغلب المراكز في عالمنا العربي هي مراكز حكومية شكلية لا تساعد على اتخاذ القرارات ولا رسم السياسات.. إلا أن مركز الجزيرة للدراسات شكَّل استثناء من هذه القاعدة، فالمركز استطاع أن يَبْرُز كصرح فكري ساهم ويساهم في تطوير العقل العربي والإسلامي واستشراف مستقبل هذه الأمة”.

وأوضح المشري، خلال الجلسة الافتتاحية لمنتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي ينعقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، أن غياب الاهتمام الرسمي بالمراكز البحثية ظهر جليًّا في الدول العربية، حيث إن هذه المراكز تشكِّل 2/1000 من مجموع المراكز، “وهي نسبة ضعيفة خاصة عندما نقارنها بالدول المجاورة”.

وبخصوص واقع مجلس التعاون الخليجي، أكد المشري أن المجلس “ظل بالنسبة لي نواة لمشاريع إقليمية كبيرة قادرة على تقديم النموذج في مجال التكامل الاقتصادي وتحقيق النجاحات الاقتصادية بالتعاون مع التكتلات الأخرى، يساعده في ذلك مجموعة من العوامل منها الجغرافية والديمغرافية، وهذا ما يمنحه فرصة ليحقق نجاحًا كبيرًا. وكنا نعتقد أن مسار هذا التكتل الإقليمي سيكون مثالًا يُحتذى به في منطقتنا؛ حيث كنا نتوقع أن نرى عملة موحدة وجواز سفر موحدًا وغير ذلك من مظاهر التكامل، لكن هذا لم يحدث بسبب محاولة بعض الدول في المنطقة ابتلاع بعض جيرانها، لتنتقل هذه الدول من سياسة التكامل إلى سياسة الاحتواء”.

وأضاف رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا أن الأزمة تسببت في تهديد حقيقي لاستقرار المنطقة؛ حيث إن كل دولة أصبحت تسعى لتوفير أمنها الخاص من خلال تعاون عسكري جديد مع دول من خارج المنطقة، ومن الواضح أن مجلس التعاون لا يستطيع مواجهة التحديات الإقليمية خاصة في ظل الصعود الإسرائيلي والإيراني في المنطقة.

وقال: إن الأزمة أثَّرت أيضًا على دول الربيع العربي؛ حيث إن أطرافًا أخرى حاولت إنهاء الديمقراطية في بعض هذه البلدان من خلال الثورات المناهضة، فبالرغم من أن مجلس التعاون الخليجي اتخذ قرارًا موحدًا من الثورة الليبية في بدايتها، إلا أن ما حدث بعد ذلك كان في صالح عدم استقرار ليبيا، فبعد دعم دول من مجلس التعاون الخليجي للثورات المضادة، وجدت قطر نفسها في موقف صعب.  

وأكد المشري أن المجلس الأعلى للدولة في ليبيا حاول الالتزام بكافة القرارات والاتفاقات وكان حريصًا على تحقيق الأمن والسلم لليبيين؛ حيث كان المجلس يستعد لمؤتمر المصالحة الوطني الليبي، في شهر مايو/أيار 2019، وقبيل زيارة للأمين العام للأمم المتحدة إلى طرابلس كانت قوات حفتر تهاجم العاصمة، طرابلس، في إخلال تام بالمواثيق والعهود التي اتُّفق عليها، وقد كان هذا الهجوم بدعم من السعودية التي زارها حفتر قبل أيام من انطلاق هجوم طرابلس، كما قامت الإمارات بانتهاك قوانين السلم الدولية من خلال مدها لحفتر بطائرات عمودية وأسلحة متطورة إضافة إلى وجود قوات إماراتية في قاعدة “الخروب” كما أوردت تقارير أميركية.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة الأميركية أعلنت في تقارير لها أن الإمارات ومصر شنَّتا هجومًا على ليبيا، واعتبر أن الدعم الذي قُدِّم لقوات حفتر أثَّر على الجانب الإنساني، حيث ارتفع عدد القتلى وتوسعت عمليات النزوح وشملت الانتهاكات استهداف سيارات الإسعاف ودور العبادة… وأدى القصف العشوائي إلى نقص الإمدادات الغذائية.

وأوضح المشري أن الدول التي فرضت حصارًا على قطر هي نفسها الدول التي تدعم حفتر وتمده بالمال والسلاح ليُدخل ليبيا في نفق مظلم وتسببت اعتداءاته في أضرار اقتصادية بالغة قد تؤدي إلى توقف النفط أو إلى تقليص كميات التصدير.

وأشار المشري إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي قادرة على تحقيق نجاحات كبيرة إذا ما عادت إلى مجلسها وروح العمل المشترك بين مختلف أطرافه، مؤكدًا أن مجالات التعاون كبيرة ومتوفرة في ليبيا حيث إن هناك مشاريع استثمارية بمليارات الدولارات. وفي الختام، أكد المشري أن استقرار المنطقة مرتهن بعودة العلاقات الخليجية إلى طبيعتها.

الشيخ حمد بن ثامر: فقدان الثقة بين الدول من أسوأ الأزمات في تاريخ الأمم

أوضح الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية، أن الأزمة الخليجية الراهنة أزمة استثنائية وغير مسبوقة، لأنها انعكست على الشعوب أكثر من الأنظمة، مشيرًا إلى تأثيرها على التواصل بين الأسر في قطر ودول الحصار الخليجية. وقال: إن من أشعل فتيل الأزمة أراد أن تصل إلى هذا المستوى من الإضرار بالشعوب لتعقيد إمكانية تجاوز تبعاتها في المستقبل، وشدد على أن فقدان الثقة بين الدول يعد من أسوأ الأزمات في تاريخ الأمم.

وفي كلمته الافتتاحية لمنتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي ينعقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، أكد الشيخ حمد أهمية المنتدى ودوره الطلائعي في معالجة قضايا المنطقة، معتبرًا المنتدى منصة للباحثين والإعلاميين والمفكرين وصنَّاع القرار لتبادل الآراء والرؤى حول التحديات الجيوسياسية التي تواجه المنطقة دون وصاية أو رقابة. وأضاف أن شبكة الجزيرة تراقب تطورات المنطقة عن كثب، وتنقل للعالم آمال شعوبها بدقة ونزاهة. وكشفت هذه المتابعة الدائبة أن شعوب المنطقة مصرَّة على حقها في الحرية والتنمية ومستعدة للإسهام في الحضارة الإنسانية بكل ثقة وإيجابية، وبرهنت بتعبيرها عن آمالها المتجددة عن نضجها السياسي وتمسكها بالأساليب السلمية الحضارية من أجل تحقيق الإصلاح والانفتاح وبناء مجتمعات أكثر تصالحًا مع ذاتها ومع العالم.

وأشار الشيخ حمد إلى أبرز التطورات التي شهدتها المنطقة العربية في الشهور الأخيرة، والتي تجسدت في انبعاث جديد لحراك الشعوب في العديد من البلدان العربية، مثل السودان والجزائر، لافتًا إلى أن الأزمة الخليجية، التي اندلعت بعد إعلان السعودية والإمارات والبحرين الحصارَ على قطر وإغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية، شلَّت فعالية مجلس التعاون وفرَّقت كلمته بعد أن كان من أهم منظمات العمل العربي المشترك وأكثرها تمسكًا وانسجامًا.

وقال رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية: إن الصراعات في المنطقة، ومطامع القوى الإقليمية والدولية، تتصاعد، مشيرًا إلى الأزمة الخليجية التي توشك على إكمال عامها الثاني، مؤكدًا أنها ضربت المنظومة الخليجية في عمقها وهددت أمن الدول الخليجية وجردتها من القدرة على مواجهة التحديات الإقليمية أو التأثير في محيطها. ونوَّه إلى أن المواطن الخليجي، كان قبل هذه الأزمة، يطمح إلى مزيد من الخطوات العملية نحو التلاقي والتقارب الخليجي كتوحيد العملة وجواز السفر، لكن الأزمة أدت إلى فقدان هذه الثقة بين دول المجلس.

وشدَّد الشيخ حمد بن ثامر على أن فقدان الثقة بين دول مجلس التعاون يعد الإشكالية الكبرى، لافتًا إلى أن الحرب العراقية-الإيرانية كانت أحد أسباب إنشاء مجلس التعاون الخليجي لحماية دوله من التهديد الخارجي ولكن هذه المرة جاء التهديد من داخل المجلس.

وأوضح أن أزمة حصار قطر شكَّلت هاجسًا في مخيلة باقي دول مجلس التعاون بإمكانية تعرضها لنفس الموقف باتفاق 3 دول على دولة أخرى والضرب عرض الحائط بأسس وأنظمة الأمانة العامة لمجلس التعاون واتخاذ قرارات فردية لحصار دولة معينة.

وشدَّد على أن أزمة الثقة بين دول مجلس التعاون تحتاج إلى معالجة عميقة من الباحثين والإعلاميين، لأن فقدان الثقة بين الدول يعد من أسوأ الأزمات في تاريخ الأمم. وأعرب عن يقينه بأن دول مجلس التعاون قادرة على تجاوز هذه الأزمة وسلبياتها وترسباتها معربًا عن تفاؤله بأن ما يربط دول مجلس التعاون أكثر مما يفرقها وأن باستطاعتها أن تتجاوز هذه الأزمة.

ونوه الشيخ حمد بأن دول الحصار لم تحقق أهدافها بل “خسرنا جميعًا ولم نجن من وراء الحصار شيئًا سوى أنها شلَّت فعالية مجلس التعاون وفرقت كلمته بعد أن كان من أهم منظمات العمل العربي المشترك وأكثرها تمسكًا وانسجامًا”.  

واختتم الشيخ حمد بن ثامر، رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية، كلمته بالترحيب مرة أخرى بالحضور في ظلال شبكة الجزيرة باعتبارها، ساحة لحوار بنَّاء ومنبرًا للقاء دائم، تتنافس فيه الآراء والأفكار بكل حرية واحترام.