تقارير

التقرير العام الخاص بمنتدى الجزيرة الرابع عشر

 

نظّمت شبكة الجزيرة الإعلامية في العاصمة القطرية الدوحة، منتداها الرابع عشر، يومي 11 و12 مارس/آذار 2023، تحت عنوان “الشرق الأوسط في سياق حرب روسيا على أوكرانيا: أزمات متفاقمة وتحديات ماثلة”، بمشاركة نخبة من الباحثين والسياسيين والخبراء.

كلمة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية

رحب الشيخ حمد في بداية كلمته بجميع المشاركين في المنتدى، مبرزا أنه فعالية يلتقي فيها خبراء الإعلام والساسة لتبادل الرؤى حول التطورات الدولية، وأنه في هذا العام يتناول قضايا الشرق الأوسط في سياق حرب روسيا على أوكرانيا، هذه الحرب التي ألقت بظلالها على العالم، ومنه منطقتنا العربية.

ورغم أن نطاق الحرب لم يتجاوز حدود البلدين، فإن دوائر تأثيرها اتسعت، فالجوار القريب أصبح مأوًى للاجئين وبؤرة للإسناد.

وتواجه أوروبا اليوم مشكلة الطاقة والغذاء وارتفاع الأسعار وتهاوي العملات وتأجج الاحتجاجات الاجتماعية.

وفي المنطقة العربية زادت الحرب من تعقيد الأوضاع، وإن أعطت لبعض الدول المنتجة للطاقة فرصاً لزيادة تأثيرها في الأسواق العالمية.

في سياقنا الإقليمي، ما من شك أن الاتفاق الذي تم بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية له انعكاس كبير وإيجابي على منطقتنا العربية، وعلى المناطق المحاذية لها. لذلك، من المؤكد أنه سيكون جزءا من النقاشات التي سيتم طرحها خلال المنتدى.

وعلى الصعيد الإعلامي، لعبت وسائل الإعلام دورا مهمًا، كما ظلت شبكة الجزيرة مهنية في نقل وجهات النظر المختلفة.

ختاماً، نأمل أن تتمكنوا من النقاش في جو حر، ليبقى هذا المنتدى وشبكة الجزيرة منبراً للرأي والرأي الآخر، ونجدد الترحيب بضيوفنا الكرام في الدوحة.

كلمة الدكتور ماجد الأنصاري، مستشار رئيس مجلس الوزراء، المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية

بعد ترحيبه بالحاضرين وعلى رأسهم سعادة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة، ذكر الدكتور الأنصاري أنه في 24 فبراير/شباط 2022، اندلعت الحرب في أوكرانيا، بعد تكليفه بتولي منصب المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية بيوم واحد. وكانت أول مهمة كلف بها هو إعداد البيان الأول الذي يصدر من دولة قطر تعليقاً على هذه الحرب، وأقد أكد له معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، في مكتبه أنه سيُعقد اتصال بعد قليل بين حضرة صاحب السمو أمير البلاد والرئيس الأوكراني، ومطلوب من قطر أولاً الإعلانُ عن خبر الاتصال، ويليه بيان يبين موقفنا المبدئي من الحرب في أوكرانيا.

كانت المعلومات في هذه اللحظة قليلة جداً، وشحيحة، وكان الموقف حساسا جداً، فنحن أمام لاعبين رئيسيين في العالم: روسيا والولايات المتحدة. في اللحظة الأولى أوضحت واشنطن موقفها، وبلا شك منذ اللحظة الأولى كان الموقف الروسي واضحاً، ويتبقى بالنسبة لنا على الأقل أن يكون لنا موقف قطري.

كان يوما صعبا على الجميع، لكنه كان دورةً تدريبيةً مكثفة في مهمة التحدث باسم وزارة الخارجية القطرية في الأيام الأولى.

إن المشهد العالمي الذي يعيشه العالم اليوم بما يحمله من تحديات جديدة وناشئة، وآثار مدمرة على اقتصادات العديد من الدول، يدعونا إلى العمل معاً للتصدي لهذه التحديات التي تؤثر على السلم والأمن الدوليين، ويؤكد على الحاجة الملحة إلى حشد الجهود واتخاذ إجراءات عاجلة وجادة، وإبداء مزيد من الإرادة السياسية لتعزيز وصون الأمن والسلم الدوليين.

إن تصاعد التحديات التي تواجه الأمن الغذائي العالمي، واستقرار إمدادات الطاقة لملايين الأشخاص حول العالم جراء الحرب الدائرة في أوكرانيا، وما يتصل بذلك من مخاطر متعلقة بسوء التغذية والمجاعة بسبب تعطل سلاسل الإنتاج والتوريد، كلُّ ذلك يستدعي اهتماماً دولياً غير مسبوق، وتعاوناً مستمراً وترتيباً واضحاً للأولويات يكون على رأسه الجانب الإنساني.

ودولة قطر أبت إلا أن تظل في مقدمة الصفوف في العمل الدولي المتعدد الأطراف، مع تأكيدها على ضرورة احترام سيادة أوكرانيا، حيث واصلت جهودها في دعم الجهود السياسية لحل سلمي فوري وانتهاج الحوار سبيلاً لحل الأزمة وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع جميع الأطراف المعنية، كما لم تدخر جهداً في العمل مع شركائها في العالم لضمان التدفق المستمر لإمدادات الطاقة.

وتماشياً مع إيماننا بالتعددية في العمل الدولي، وقناعتنا بأن التعاون تحت مظلة الأمم المتحدة هو سبيل التصدي للتهديدات المشتركة، واصلت دولة قطر إسهاماتها لدعم الجهود الدولية، خاصة في هذه المرحلة الحرجة والحساسة التي يعيشها العالم، حيث تمسكنا بموقفنا الثابت والواضح الذي ينص على ضرورة احترام سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، كما أن سجل توصيتنا على العديد من قرارات الأمم المتحدة بشأن مسألة سيادة أوكرانيا يتحدث عن نفسه.

ومنذ بداية الأزمة، فتحت دولة قطر قنوات الاتصال مع عدد من الدول التي سعت وبادرت بالقيام بدور إيجابي في سبيل التوصل إلى حل سلمي لها، حيث قام معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية بزيارة لموسكو في مارس/آذار 2022 لإجراء محادثات مع نظيره الروسي مع بداية اندلاع هذه الأزمة.

في هذه الزيارة، أدان معالي رئيس مجلس الوزراء على لسان دولة قطر، أدان الحرب في أوكرانيا وهو يقف إلى جوار وزير الخارجية الروسي، في موقفٍ كان يبين بوضوح أن قطر وإن كانت ستسعى دائماً إلى الطريق الدبلوماسي، فإنها لن تخجل من اتخاذ مواقف مبدئية واضحة فيما يتعلق بالتطورات الدولية.

أما في يونيو/حزيران 2022، اجتمع معاليه مع وزير الخارجية الروسي على هامش الاجتماع الوزاري المشترك بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية وروسيا الاتحادية في الرياض. هذا الاجتماع وما رافقه من لقاءات بين أصحاب المعالي وزراء الخارجية في دول الخليج، أكد أن الموقف الخليجي في حينه كان مُهماً أن يصاغ على مستوًى جماعي لا على مستوًى فردي، وهذا ما تأتى في الرياض عبر وجود وزير الخارجية الروسي، وعبر مشاركة الأوكرانيين في الاجتماع التالي له.

ولا يغيب أن نذكر طبعا اللقاء الذي جمع حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في أكتوبر/تشرين الأول 2022 بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش انعقاد القمة الثالثة لمؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا، في أستانا عاصمة جمهورية كزاخستان.

هذه اللقاءات بلا شك أكدت أن الجهد القطري ظل مستمراً لتقريب وجهات النظر، ومحاولة معالجة جميع جوانب هذه الأزمة وعلى رأسها الجانب الإنساني.

وتوالت الاتصالات بين المسؤولين القطريين ومسؤولين في مختلف الدول الأوروبية وأوكرانيا وروسيا، وفي كل هذه الاتصالات كان واضحًا التشديدُ على أهمية التركيز على الوصول إلى حل سلمي، وعلى أهمية تجنيب شعوب العالم أي تداعيات لهذه الأزمة، وعلى رأسها ما يرتبط بالأمن الغذائي.

ومباشرة عند حدوث هذه الأزمة، بدأت قطر تبحث في موضوعين رئيسيين هما: أمن الطاقة والأمن الغذائي.

وباعتبار دولة قطر من أكبر منتجي الغاز الطبيعي المسال في العالم، فإننا نحرص على استقرار سوق الطاقة العالمي ونلعب دوراً هاماً في أمن الطاقة، لا سيما في ظل الاضطراب الذي حدث في أسواق الطاقة، خاصةً في الدول الأوروبية بسبب الحرب في أوكرانيا.

دأبت دولة قطر على أن تكون ملتزمة دائمة بعقودها الطويلة الأجل مع شركائها العالميين، وإمدادهم بالطاقة في أحلك الظروف الإقليمية والدولية. وفي الوقت الذي ندرك فيه بوضوح خطورة التحديات العالمية وعدم الاستقرار الإقليمي والدولي، لابد للمجتمع الدولي من التخلي عن ازدواجية المعايير في تبرير وتفسير بعض السياسات والممارسات، وتكريس العدل والمساواة والتضامن لننجح في تجاوز الأزمات والتحديات التي يشهدها العالم اليوم.

ذكر صاحب السمو أمير البلاد المفدى في الجلسة الافتتاحية لمنتدى الاقتصاد العالمي: نظراً لأننا نسلط تركيزاً دقيقاً لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة في أوكرانيا، فإني آمل أن نولي نفس القدر من الاهتمام والجهد لحل جميع النزاعات المنسية أو المهملة، لأن الناس جميعاً يستحقون السلام والأمن والكرامة. وفي هذا السياق وعلى الرغم من أن هناك العديد من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة التي تدين الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وتؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، فإننا ما زلنا نرى ازدواجية في المعايير في التعامل مع إسرائيل، حيث توجد اختلافات كبيرة بين الدول الأوروبية في التعامل مع القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي. ويمكن القول إن هذه الاختلافات تشمل مجموعة واسعة من المسائل السياسية والاقتصادية والقانونية والإنسانية، ومن بينها الاعتراف بدولة فلسطين، والعلاقات الاقتصادية مع إسرائيل ومع منتجات المستوطنات الإسرائيلية، والدعم للفلسطينيين، والضغط الدبلوماسي على إسرائيل.

تسعى دولة قطر دائماً للوصول إلى حل سلمي للنزاعات من خلال الوساطة التي تشكل إحدى أولويات سياستها الخارجية، وتستخدم دولة قطر سجلاً حافلاً وطويلاً مملوءًا بالنجاح في مجال الوساطة في النزاعات، مع عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، حيث توسطت دولة قطر منذ العام 2008 في عدد كبير من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية، وبذلت جهودا دبلوماسية وسياسية حثيثة على المستويات الإقليمية والدولية في الوساطة بين الفصائل والكيانات والدول، وبطلب من الأطراف المعنية، ودون التدخل -كما قلنا- في الشأن الداخلي للدول، لتقريب وجهات النظر وإيجاد حلول مستدامة للنزاعات والخلافات.

وقد حققت تلك الجهود نجاحات أسهمت في تعزيز السلم والأمن الدوليين، من أبرزها اتفاق الدوحة للسلام في دارفور، وإطلاق سراح رهائن في سوريا، والعمل على تحقيق المصالحة بين الفلسطينيين، واتفاق إحلال السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان.

وانطلاقاً من سياسة دولتنا الراسخة حيال أهمية التعاون الدولي، وباعتبارها شريكاً دولياً موثوقا، إلى جانب مساهماتنا المشهود لها في هذا السياق، فإننا لن نألو جهداً في مواصلة العمل مع كافة الشركاء لبناء شراكات متينة تسهم في تعزيز استقرار المنطقة والعالم، كما سنستمر في دعم الجهود الرامية إلى حل سلمي للأزمة، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الراسخة للقانون الدولي، والامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها.

أبارك لكم جميعاً عودة منتدى الجزيرة مرة أخرى، هذا المحفل الذي كان وما زال مساحة مهمة للحوار بين جميع الأطراف، كما كانت الدوحة دائمةً منصة لحوار لا حدود له بين مختلف الأطراف وحول مختلف النزاعات الإقليمية والدولية.

أشكركم على دعوتكم الكريمة اليوم، وأتمنى لكم نقاشاً مثمراً وممتعاً، وأتطلع إلى أن نستمع إلى ما سيكون من نقاشات في المستقبل.

 

الجلسة الأولى: الخليج في سياق الحرب الروسية على أوكرانيا: فرص وتحديات

 

أولا: عبد الله الشايجي، الرئيس السابق لقسم العلوم السياسية بجامعة الكويت.

خلال السنوات الثلاث الماضية، حدث الكثير من التطورات والمتغيرات في إعادة ديناميكية لتركيبة النظام الدولي والإقليمي، ورأينا بالأمس التقارب السعودي الإيراني، ودور الصين الصاعد في منطقة نفوذ أميركية خالصة، ورأينا “البجعة السوداء” التي أحدثها الرئيس بوتين بغزوه واحتلاله لأجزاء من أوكرانيا، مما يعني أن الدول الكبرى لا تتصرف بمسؤولية.

هذا يؤكد النظرية الأولى في العلاقات الدولية؛ بأن هناك فوضوية في النظام العالمي، وأن القوة هي المحرك الرئيسي، فالقوى الكبرى معفية من أي عقوبات، لهذا السبب تتجرأ على خرق القانون الدولي المفروضِ أنها من دعاته والموقعين على ميثاق الأمم المتحدة، ولكن منطق القوة يغلب قوة المنطق. لهذا السبب نرى متغيرات تفرض نفسها، والنظام العالمي الآن يمر بمتغيرات واسعة، والدول الصغيرة تريد أن تعضد من مواقفها، ولكن هذه المتغيرات خطيرة.

ما يحدث في أوروبا هو أكبر تحول وأطول حرب في قلب القارة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، وبوتين يريد أن يساهم مع الصين في تحالف لا يبدو استراتيجيا بقدر ما هو نوع من التحدي لتشكيل نظام عالمي يكون للصين وروسيا دور فيه. وأحد هذه المعالم أننا نرى جرأة الصين الآن، فحسب التقييم الذي أعلن في الأربعاء الماضي لمجلس الاستخبارات الوطني، فإن الصين هي المتحدي الأول والأكثرُ قدرة على منافسة أميركا في الهيمنة على العالم.

النظام العالمي يقترب من تعددية قطبية، والحرب الروسية على أوكرانيا أثبتت حسابات بوتين الخاطئة، والمشكلة الرئيسية أن الدول التي لا يوجد بها تعدد في الأدوار للنظام والمؤسسات والمساءلة والتوازنات داخل المؤسسة الحاكمة في الدولة؛ تتجرأ على ارتكاب ما أسميها الحسابات الخاطئة.

نشعر في منطقة الخليج أن الدول الكبيرة تريد أن تستأثر بالقوة، فصدام حسين غزا واحتل الكويت بحسابات خاطئة، بينها أنه لن يقف أحد مع الكويت، وأن الكويت ليست مهمة لأميركا والقوى الكبرى، وأنه يستطيع الحصول على دعم عربي، فإذا بكل حساباته خاطئة. الأمر ذاته تكرر في أوكرانيا، فبوتين عندما غزا الأراضي الأوكرانية ظن أنها ستكون نزهة، وخلال أسبوع يسقط النظام ويأتي نظام تابع مثل روسيا البيضاء، وأن الغرب لن يقف مع أوكرانيا، وحلف الناتو لن يكون قادرا على تقديم الدعم، وأميركا منشغلة بمشاكلها الداخلية، فإذا بنا نرى تحالفا قويا وصمودا ودعما واستهدافا لروسيا واستنزافا لها مع تدفيعها ثمنا باهظا، لتكون هزيمتها استراتيجية، لا عسكريةً فقط.

رأينا كيف أن روسيا متورطة بشكل كبير، وغارقة في مستنقع أوكرانيا، إذ فقدت 100 ألف من قواتها، ومجموعة فاغنر هي التي تدخل باخموت وليس الجيش الروسي، وهذا يؤثر حتى على حلفاء روسيا.

دول مجلس التعاون الخليجي ترى أن عليها أن تأخذ بما أسميها التوازنات الصعبة، بألا نقف كلياً ضد روسيا، وأن نتفاهم ونتوسط لنلعب دوراً للوساطة، مثل ما تقوم به قطر والسعودية، وأن نلعب دورا في إطلاق سراح أسرى وسجناء حرب، كما فعلت السعودية بشكل ناجح إذ أفرجت عن عدد من الأسرى الأوكرانيين والروس.

كذلك، لعبت دول الخليج دورا هو في اعتقادي مهم جداً في طمأنة سوق الطاقة، وهذا يُحسب لدول الخليج بأنها شريك موثوق به، وهذا أمر يقدّره الغرب، لأن حرب روسيا على أوكرانيا تسببت في عدة أزمات، بينها غياب الثقة، ودور الدول الكبيرة في خرق القانون الدولي، وأزمة الطاقة، لأن روسيا تزود أوروبا بما يقارب 40% من احتياجاتها من الغاز والنفط، فإذا بنا نرى أن هذه النسبة تراجعت بسبب العقوبات الغربية من الاتحاد الأوروبي والناتو، وهنا أتت دول الخليج، خاصةً قطر التي تصرفت بشكل مسؤول جداً، فهي من الدول الرئيسية للغاز المسال حول العالم.

ومن التداعيات الأخرى طول أمد الحرب، إذ لا يبدو أن لها أفقا محددا، فهي حرب بلا أفق، وحرب استنزاف، وحرب عض أصابع، فبوتين ليس لديه مشكلة في الاستمرار بها، لأنه يريد أن يؤدب الغرب، وأن يؤكد لشعبه أن هناك مؤامرة غربية تستهدف البلاد، ولكن النظام الروسي يفقد إقناع شعبه بعد سنة من الخسائر الدامية.

في اعتقادي أن 2023 سنة حاسمة، فأميركا زودت أوكرانيا بالأموال والسلاح بقيمة 47 مليار دولار، أي أكثر من 12 ضعف ما حصلت عليه إسرائيل. وأنا أنظر إلى أن حرب أوكرانيا بها خاسرون ورابحون، وفي اعتقادي أن الرابح الرئيسي، أو من الرابحين الكبار؛ تركيا وإيران.

 

ثانيا: عبد العزيز بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، رئيس تحرير مجلة “آراء حول الخليج”

موقف دول مجلس التعاون الخليجي متوازن جداً، فلم نتمسك بالحياد وإنما تمسكنا بالتوازن، وهو يعني ألا نقبل باستخدام القوة والاعتداء على أي دولة، كما تمسكنا بسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، فلم نقبل بأي اعتداء على أي شبر منها، وقدمنا المساعدات الإنسانية، وساهمنا في إطلاق سراح رهائن، وأخذنا مواقف دولية، سواء من خلال مجلس التعاون أو عبر التصويت في الأمم المتحدة.

موقف دول الخليج قُبل من دول معينة ورُفض من أخرى، والتحدي الحقيقي سيكون: إلى أي مدى تستطيع دول الخليج الحفاظ على هذا الموقف المتوازن الذي تمسكت به؟

حسب قناعتي، فإن التكاتف والتوافق بين دول الخليج في مجمل القضايا هام بنظرة شمولية، وبدون أدنى شك، هنالك هيمنة أميركية على الموقف الأوروبي، والعودة إلى أحادية القطب ليست في صالحنا، كما أننا لا نريد العودة إلى الحرب الباردة.

وكما قلت، يظل التحدي بالنسبة لدول الخليج هو المحافظة على هذا الموقف المتوازن، فنحن أمام عدة سيناريوهات، والغرب يستهدف تحجيم دور روسيا ودحرها، وأيضاً منح أوكرانيا كل ما تريد من التسليح أيا كانت طبيعته ونوعه، والموقف الأميركي لا يسمح بتمدد روسيا. 

 

ثالثا: محجوب الزويري، مدير مركز دراسات الخليج بجامعة قطر، وأستاذ تاريخ إيران والشرق الأوسط المعاصر فيها

المسألة الأولى التي يجب أن نلتفت إليها في مسألة الحرب الروسية على أوكرانيا، هي محورية منطقة الخليج في السياسة الدولية، فهذه المحورية التي بدأت منذ مطلع القرن العشرين بزخم زاد مع الربيع العربي، ثم جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتقول للعالم إن هذه المنطقة محورية في المشهد الدولي، وتوافد الزعماء الدوليون -ألمانيا وغيرها- على هذه المنطقة هرباً من مشاكلهم الداخلية، وبحثاً عن حلول في العواصم الخليجية: الرياض والدوحة وأبو ظبي وغيرها.

هذه المركزية والمحورية تعيد التذكير بقضية أساسية؛ أن المشهد الدولي يتغير لصالح اللاعبين الذين كان يُعتقد أنهم أقل تأثيراً في المشهد الدولي، ولذلك فهذه المحورية تعززت عبر الحاجة إلى الطاقة من دول الخليج، وتعززت من خلال الحاجة إلى تغيير في المواقف.

التطرف الأميركي والغربي في الحرب الروسية على أوكرانيا أُريدَ له أن يُملى على دول الخليج، وأن تكون هذه الدول في معظمها متطرفة في موقفها من الأزمة، بينما التوازن في موقف دول الخليج كان ضرورة.

 

رابعا: نوف الدوسري، أستاذ مساعد لتخطيط وتطوير السياسات في قسم الشؤون الدولية بجامعة قطر

بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي فإن حالها كحال الاتحاد الأوروبي، إذ حتى الآن يتم التشكيك في حقيقة الاتحاد الأوروبي، وما هي الهوية الأوروبية؟ وماذا يجمع تلك الدول؟ وخروج بريطانيا يوضح هذا التشكيك. والأمر نفسه بالنسبة لدول الخليج، فمن هو الخليجي؟ وما هي مؤسسة مجلس التعاون؟ وما الذي تقدمه؟

مسألة الاختلاف واردة بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي، كما هي واردة ويجب أن تكون واردة بين الأوروبيين في الاتحاد.

وما يحصل الآن ليس بنفس الاستقطاب الذي كان بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، فلدينا دول لا تصارع أميركا في مسألة أوكرانيا، بل تصارع السياسات الاقتصادية والسياسية، ودول مجلس التعاون لا تريد أن تتأثر بذلك ويكون لديها تماثل في المواقف بالنسبة للحرب الروسية الأوكرانية.

 

الجلسة الثانية: الحرب الروسية على أوكرانيا: تهديد للأمن والسلم الدوليين أم فرصة لتشكيل نظام عالمي أكثر توازنًا؟

 

أولا: أولينا تريجوب، مديرة تنسيق المساعدات الدولية بوزارة التنمية الاقتصادية والتجارة في أوكرانيا

يشرفني التعبير عن وجهة النظر الأوكرانية المتعلقة بهذه الأزمة العالمية الناتجة عن الحرب الروسية على أوكرانيا. واليوم مر 381 يوما على هذه الحرب غير المشروعة وغير المبررة التي بدأتها روسيا على أوكرانيا، ويمكن القول اليوم إن روسيا لم تدمر الهوية الأوكرانية، ولم تدمر الدولة الأوكرانية.

وأريد أن أذكركم أن أوكرانيا حررت نصف المناطق التي احتلتها موسكو، ويتبقى 1800 قرية لا تزال تحت الاحتلال الروسي، ولكن الشعب الأوكراني يؤمن أنه سيتحرر، ويوجد عدد من الدول التي تدعمنا من كافة النواحي.

كما أريد أن أشكر دولة قطر على موقفها من هذه الأزمة على الساحة الدولية، وخاصة في الأمم المتحدة.

أتفق أن ما يحدث الآن سيحدد مستقبل العديد من الدول، وموسكو سوف تخسر الحرب، وهي بالفعل سبق أن خسرتها، فهي لم تحقق أهدافها، ولا تزال مدينة باخموت تشهد أشرس المعارك حاليا.. إنها حرب استنزاف.

نعلم أن دولا كثيرة ومنها قطر، سيكون لها دور في إعادة السلم والأمن في المنطقة، وأن روسيا شنت منذ بداية حربها أكثر من 3000 غارة جوية معظمها بالطائرات المسيرة، ويوم أمس أطلقت 81 صاروخا على أوكرانيا، وركزت في استراتيجيتها العسكرية على فترة الشتاء، أملا بأن يتجمد الأوكرانيون من البرد لانعدام غاز التدفئة.

لقد أطلقت روسيا عدداً من الصواريخ على المحطة النووية الرئيسية في أوكرانيا، وكادت تلك الصواريخ أن تدمرها تماما، وهذا السيناريو مقلق جدا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا الأمر يحدث للمرة السادسة، مما يثير المخاوف حول نوايا موسكو وأهدافها.

إن الأمم المتحدة تعلم أن روسيا حولت المحطة النووية إلى قاعدة عسكرية وزرعت فيها الألغام، وهو أمر مرفوض تماما، خاصة أن موسكو تسعى لتحويلها إلى قاعدة عسكرية.

كما يجب زيادة الضغوط على روسيا لتسليم هذه المحطة إلى أوكرانيا، ويجب فرض المزيد من العقوبات على موسكو وطردها من الوكالة الذرية.

إن التهديد النووي الروسي مستمر منذ بداية الحرب وحتى الآن، فهي تمارس الابتزاز النووي، وأعتقد أنها استراتيجية روسية لإخافة العالم بأسره حتى تتمكن من متابعة الجرائم التي ترتكبها في أوكرانيا.

 

ثانيا: ليونيد م. عيساييف، الأستاذ المشارك في قسم العلوم السياسية بالمعهد الجامعي الوطني العالي لدراسات الاقتصاد في موسكو 

يسعدني أن أكون معكم هنا وألتقي بكم مرة أخرى في منتدى الجزيرة، وأن أكون مشاركا في هذه النقاشات المثمرة. إن روسيا تسعى لإيجاد نظام عالمي جديد في الشرق الأوسط وفي العالم أجمع، وتعمل منذ سنوات على أن ينظر إليها الغرب كقوة عظمى وجزء من منظومة النظام الدولي، إلا أنها لا تريد أن تلعب دور الرائد في المستقبل، أو أن تحل محل أميركا أو الغرب في أي جزء من العالم.

ولتحقيق أهدافها، تحاول روسيا التعامل مع البلدان غير الغربية في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، ومعظم ما تفعله روسيا الآن موجّه إلى البلدان غير الغربية، بهدف إيجاد سياسة متوازنة في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط وآسيا. والمنطقة الآن أصبحت أكثر أهمية، لذلك تنظر إليها روسيا باهتمام كبير، خاصة فيما يتعلق بقضايا الطاقة والطرق اللوجستية والبحث عن شركاء جدد.

هذه المنطقة معقدة، وروسيا تحاول احتواء أي أزمات يمكن أن تحدث هنا، كما تسعى لتطبيع العلاقات مع دول الشرق الأوسط وتفادي أي نزاعات في المنطقة، لأن التصعيد قد يضعها في موقف غير مريح.

كما لا ترغب موسكو في فتح جبهات أخرى، وتحاول تفادي أي صراعات في ظل الصراع في أوكرانيا، ولهذا السبب فإن الحكومة الروسية معنية كثيرا بالتطورات الراهنة بين إيران والمملكة العربية السعودية، فهي لا تريد أن تخسر أيا من حلفائها في المنطقة.

إنه في ضوء الوضع الراهن، لدينا شراكة بين روسيا والبلدان غير الغربية، لذلك فإن موسكو حريصة على تطوير علاقاتها مع الشرق الأوسط والصين، وهذا الأمر ضرورة حيوية لروسيا.

أما بالنسبة للمنطقة بصفة عامة، فهناك فرصة كبيرة لإثبات مكانتها الدولية، فأنا أرى الكثير من الفرص للبلدان الشرق الأوسطية التي تحاول روسيا تحقيق هدفها بإيجاد نظام عالمي جديد متعدد الأطراف، وبهذا تتيح الفرصة أمام دول المنطقة لتلعب دورا حيويا في النظام العالمي الجديد، وتعمل على إحداث حالة من التوازن.

لست متأكدا من أن روسيا لديها الفرصة مثل باقي دول المنطقة، ولكن بشكل عام، لا يوجد خيار آخر أمامها سوى الاستمرار في هذه الاستراتيجية وعلى هذا النهج.

لهذا السبب، أعتقد أن روسيا ستتدخل أكثر في المنطقة وتبني علاقات مع الدول غير الغربية. قد لا تكون موسكو المستفيد الرئيسي من هذا الوضع، ولكن دول الشرق الأوسط والصين والدول الآسيوية ستكون المستفيد الأكبر.

 

ثالثا: لقاء مكي، باحث أول في مركز الجزيرة للدراسات، نائب رئيس تحرير مجلة “لباب” الفصلية المحكَّمة

في ربيع عام 2003 صدر لأول مرة تقرير استراتيجي أوروبي أصبح بعد ذلك يصدر كل عام، هذا التقرير ذكر أن أوروبا لم تكن يوما بهذا الازدهار والأمن والسلام والاستقرار من قبل، وفي عام 2012  صدرت نسخة من هذا التقرير تؤكد أن أوروبا تواجه العديد من المشاكل، مثل المشاكل المتعلقة بالهجرة والحريات والتدهور البيئي، ومشكلات تتعلق بالأمن والسلم، فما الذي حدث خلال 20 عاما وحوّل أوروبا إلى هذه الحالة؟

أوروبا مرت بمراحل من الأزمات كانت نتيجتها الحرب الحالية، فالحرب نتيجة لكل الأزمات التي شهدها العالم، فمنذ العام 2003 وبعد حرب العراق، بدأت شهية أمريكا للقيادة العالمية تنخفض، وهذا شاهدناه في الدعاية الانتخابية للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، ثم مع الرئيس السابق دونالد ترامب. أوباما بدأ يتجه نحو آسيا، وبدأت تحدث فراغات في منطقة الشرق الأوسط بسبب ذلك، وفي هذه الفترة كانت الصين مستمرة في عملية النمو، ثم ظهر الدور الروسي في المنطقة بشكل أكبر، كما سمحت الفراغات التي تركتها الولايات المتحدة بظهور كثير من القوى المحلية، مثل الهند وباكستان والسعودية ومصر.

إلى جانب ذلك، كانت هناك جملة حوادث عالمية مثل الأزمة المالية العالمية لعام 2008  والجفاف وأزمة الغذاء العالمية، وغيرها من الأمور، بالإضافة إلى ظهور ونمو تنظيمات ومنظمات في آسيا مثل “بريكس” ومجموعة العشرين.

كل هذه المتغيرات جعلت النظام الدولي غير مستقر، ورغم ذلك فإن تغيير النظام الدولي يحتاج حربا عالمية، وقد تكون نووية ويموت فيها الجميع، ولذلك فاحتمال قيامها ضعيف، وسوف يبقى النظام العالمي الحالي، فروسيا دولة كبيرة ولكنها لن تكون قوة عظمى.

وإذا عدنا إلى الحرب الروسية على أوكرانيا، سنجد أن الصين استفادت من تلك الحرب، فهي تستورد النفط بسعر رخيص من روسيا، والأخيرة ستكون بحاجة إلى الصين.

ولكن في كل الحالات فإن الضحية الكبرى من الحرب ستكون أوكرانيا وأوروبا وأخيرا روسيا، وأخشى أن تكون أوكرانيا تقاتل نيابة عن الغرب، لا عن نفسها فقط.

ونشير هنا إلى تناقض السياسة الأمريكية، فهي تريد تأييد العالم في دفاعها ورفضها للحرب على أوكرانيا، وهي نفسها التي غزت العراق وأرادت تأييد العالم في تلك الحرب. والذين يؤيدون الموقف الأمريكي الرافض للحرب الروسية على أوكرانيا هم من أيدوا أيضا الغزو الأمريكي للعراق.

إن كثيرا من الدول ترفض وقف تعاونها مع روسيا، الأمر الذي يشير إلى وجود فرص لتطوير تحالفات اقتصادية مثل “بريكس” إلى تحالف عسكري، والغرب يريد استمرار النظام العالمي المتصدع، ويبدو أن روسيا انساقت إلى أوكرانيا.

 

رابعا: حسن البراري، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قطر، متحدثا من سلطنة عمان

السؤال المطروح الآن هو: إلى أي مدى ستساهم الحرب في إعادة تشكيل النظام الدولي الجديد؟

الغرب والولايات المتحدة يريدان إبقاء الوضع على ما هو عليه، ولا تزال واشنطن رغم ما تعانيه في موقع الصدارة، تريد الإبقاء على هيمنتها العالمية المزعومة، بينما تريد روسيا تغيير الوضع الحالي وتغيير النظام العالمي.

على أن الحرب بالنسبة لروسيا خطوة لتفكيك المنظومة التي على أساسها تفردت الولايات المتحدة بقيادة العالم، وهنا نشير إلى أن موسكو ربما تريد تغيير ملامح النظام العالمي لتنال جزءا من الهيمنة.

ذكر بوتين عام 2001 أن أكبر كارثة في القرن العشرين هي تفكيك الاتحاد السوفياتي، وهذا يشير إلى أن روسيا منذ فترة لها طموحها في النظام العالمي، إلا أن هذا الطموح يصطدم بالهيمنة الأميركية التي ترفض تغيير ملامح هذا النظام.

إن موسكو دخلت الحرب على أوكرانيا معتقدة أن الغرب منقسم، ولكن ظهر عكس ذلك، وكذلك الناتو، إلا أن الأمر كان عكس ذلك، فالولايات المتحدة لديها تحالفات قوية مع بعض الدول، ولا يزال الدولار يتمتع بمكانته في الاقتصاد العالمي، وأمريكا لديها قوتها العسكرية وهي قادرة على فرض عقوبات على دول دون خوف. هذه الأمور تجعل من الصعب على روسيا تحقيق طموحاتها، فتغيير النظام يحتاج إلى منافسين أقوياء يستطيعون بناء نظام عالمي جديد، وهذا غير متوفر في هذا الوقت.

إن النظام الدولي لن يتغير، ولكنه سيشهد عدداً من التعديلات، فتغير النظام الدولي تماما يحتاج إلى حرب أكبر من الحرب الأوكرانية.

روسيا تحاول ترسيخ استراتيجية في سياق الدعاية بأنها تحارب نيابة عن أجزاء أخرى في العالم، مع أن 141 دولة صوتت ضد الاحتلال الروسي في الأمم المتحدة. وهناك عناصر قوة عند روسيا، ورأينا جميعا الانحياز إلى أوكرانيا وتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

 

الجلسة الثالثة: عام على اندلاع الحرب: قراءة في حسابات واستراتيجيات القوى الدولية

 

أولا: جين كينينمونت، مديرة السياسات والتأثيرات في شبكة القيادات الأوروبية

إنني أود الحديث عن الاستراتيجية الروسية في الوقت الحالي، فأنا أرى أن الجانب الروسي  وضع خطوطا حمراء غامضة له في أوروبا ليكون تفسيرها لصالح موسكو في المستقبل، أما بالنسبة للحرب فينظر إليها كمحاولة لمنع أوكرانيا من الدخول في حلف الناتو.

من هذا الجانب، لم يكن انضمام أوكرانيا إلى الناتو هدفا أوروبيا، فهي لم تحصل على وعود قوية من أوروبا في هذا الشأن، وبعض الدول الأوروبية الكبرى كانت ترفض ذلك، مثل فرنسا، وحتى بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وبالتالي فالحديث عن أن سبب الحرب منع انضمام أوكرانيا إلى الناتو غير منطقي، ولو كانت تلك هي القضية فقط لكان بالإمكان التوصل إلى حلول.

إن وعود أوروبا لأوكرانيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مقابل تخليها عن سلاحها النووي، لم تكن جدية. وقبل أسابيع من اندلاع الحرب الروسية، قال الروس أنفسهم إن أوكرانيا كانت لديها النية للتوجه نحو الحيادية، إلا أن الأمر اختلف بعد الحرب.

إن روسيا لم تضم فقط أراضي دولة أخرى بالقوة، بل حاولت تغيير هوية تلك الأراضي، وهذا ما لم يقبله العالم. على أن تصريحات الرئيس الروسي ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، وهي تشبه تصريحات العراق عندما ضم الكويت، واعتمدت على طمس هوية البلد المعتدى عليه، فهدف روسيا هو تدمير الهوية الأوكرانية.

إن إنكار الهوية الأوكرانية هو جوهر المشكلة، ولو تم حل الأزمة الحالية فستبقى هناك مخاوف في المستقبل وفقدانٌ للثقة بين جميع الأطراف.

وعندما نتأمل المشهد العالمي نجد أن بعض البلدان طالبت بمقاطعة الثقافة الروسية وكل ما هو روسي، وهي دعوات مثل الدعوات الفلسطينية بمقاطعة كل ما هو إسرائيلي.

للأسف حتى الحديث عن السيطرة على انتشار السلاح النووي قد توقف، ويرى البعض ضرورة استئناف الحديث الدولي في هذا الموضوع سريعا.

 

ثانيا: إلياس حنا، عميد متقاعد في الجيش اللبناني، وخبير استراتيجي وعسكري

منذ بداية الندوة نتحدث عن النظام العالمي وكأننا نحن من يصنعه، نحن إذا أردنا أن نتحرك فيجب أن نعرف من يؤثر على ديناميكيات العالم. نحن ننتظر ما يحدث في أوكرانيا، فهي بالنسبة للغرب نقطة انحناء، وأي نقطة بعدها لن تكون مثل التي قبلها.

توجد تبادلات عالمية وديناميكيات محددة خلقت نمطا معينا في هذه المنطقة، فعندما نتحدث عن الحرب الباردة مثلا نجد أن المنطقة العربية لم تكن مؤثرة، ولم تكن لها أولوية، الأولوية كانت لأوروبا، وكانت المنطقة تُعرف بمنطقة “العصر والطحن”، فيها الحروب العربية والإسرائيلية، وأرادها الجانب الأمريكي لنفسه، ولكنه لم يكن مهتما بها، ومع ذلك لم يسمح لأحد بالسيطرة عليها.

بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 كانت المنطقة العربية مسرحا للحرب على الإرهاب، إلا أن الإرهاب لم يكن هو العدو، إنه تكتيك تستخدمه أنظمة ومنظمات لتحقيق أهدافها، فاستخدموا الإرهاب لإسقاط العراق.. أليس ما يحدث في فلسطين إرهابا، ماذا فعلوا لمواجهته؟

 

ثالثا: ديدييه دارسيت مؤسس مشارك لشركة غافيكال إنتليجنس سوفت، وهي شركة متخصصة في البحث الكمي وتطوير البرمجيات ذات الصلة

سأتحدث عن “الهشاشة” بمفهومها الواسع في كافة مجالات الحياة، ومضادات تلك الهشاشة. خلال انتشار فيروس كورونا في أوروبا، عانت مشاريع كثيرة، ولكن شركة أمازون اشتهرت وحققت نجاحات كبيرة، وهي تعتبر جزءا من هذا المفهوم وهو المضاد للهشاشة، ورأينا بلدانا ازدهرت في الوقت الذي عانت فيه بلدان أخرى، وأعتقد أن هناك مناطق ظهر فيها مفهوم اللاهشاشة بشكل جيد.

مثال أوضح للهشاشة وهو عصر الديناصورات الذي سيطرت فيه تلك الكائنات على العالم، وكان يستحيل إزالتها إلى أن ضرب نيزك الأرض فدمر الديناصورات، وعقب ذلك ظهرت حيوانات من الثدييات أصغر حجما بكثير وسيطرت على العالم.

نحن اليوم لدينا قوتان متضاربتان: قوى هشة في الغرب تحاول إعادة النظام العالمي إلى ما كان عليه في السابق، وقوى مضادة للهشاشة، غير منظمة حتى الآن، تبحث عن سبل لكي لا يعود النظام إلى سابق عهده. وهناك أمور على المحك في هذه الحالة، منها الأموال والمدخرات الغربية مثل صناديق التعاقد في أوروبا، وهي مستمرة في سندات خزينة بدرجة كبيرة، وانهيار هذه السندات أدى إلى مشاكل كثيرة.

 

رابعا: سلمان شيخ، مدير بروكينغز الدوحة سابقًا ومدير مجموعة الشيخ

عندما نتحدث عن مرور عام على اندلاع الحرب الروسية، فإن هذا في حد ذاته يعتبر مؤشراً له دلالات متعددة، خاصة أننا كنا نأمل ألا يأخذ هذا النزاع كل هذا الوقت، وكلما طال أمد هذا النزاع وصلنا إلى نقطة انحناء، ما بعدها ليس كما قبلها.

وبالحديث عن الحرب فإنني أرى أن الرئيس الروسي إذا لم يكن قادرا على كسب الحرب فلا أحد آخر قادر على تحقيق ذلك، وروسيا مستعدة لإطالة الحرب في أوكرانيا ولها خبرتها في ذلك مثل ما حدث في سوريا.

أما في أوروبا فإن الأنظمة الأوروبية بدأت تهيئ الشعوب والسكان لوجود أزمة طاقة، وبدأ الحديث عن التحول إلى اقتصاد حرب، وهذا يحمل نذر شؤم، وهناك نذر أخرى.

إننا نرى وجود تغيرات نحو نظام عالمي جديد، وهي موجودة منذ الحرب على العراق، وأشير هنا إلى سوريا التي تعتبر المسمار الأخير في نعش النظام العالمي القديم، فكيف يفلت من العقاب نظام ضرب شعبه بالأسلحة النووية، ونفس الشيء يحدث الآن في أوكرانيا.

وإذا نظرنا للحرب من جانب آخر، نجد أن العلاقات بين الصين وروسيا قد تحولت، مما يؤذن لمشروع من التعاون اللامتناهي، وهذا يتزامن مع ما تحققه الصين من تفوق نوعي على الغرب، كما أن الروس يعتقدون أنهم يبلون بلاءً حسنا، وهم يصفون بلادهم بأنها قوة أوروبية آسيوية.

إن قوى مثل قطر، سواء على الصعيد الإقليمي أو العالمي، لها دورها البارز في جهود الوساطة وسبل التقارب، خاصة في مجال الطاقة، ويجب أن يكون هناك دور تنسيقي معها على سبيل التقارب، فنحن نعيش في عالم محكوم بالتحالفات والتكتلات.

 

الجلسة الرابعة: الحرب والشرق الأوسط: تداعيات الحرب في ظل اختلاف الأدوار الإقليمية

 

إسماعيل نعمان ثلجي، أستاذ مشارك بجامعة صقاريا في تركيا

أدت الحرب بحد ذاتها إلى صدمة للأسرة الدولية الأوسع، ففي ذلك الوقت، لم يكن العالم مستعداً لأنه لا يزال يتعافى من جائحة كوفيد-19، حتى وإن كانت إمكانية وقوع الحرب موجودة، إلا أن الدول لم تكن تتوقع أن تحصل الحرب بهذه الطريقة، وبهذا الامتداد الدولي.

وكان هناك الكثير من القلق والمخاوف على العالم، وكان لأنقرة عدد من المخاوف، بداية من المخاوف الاقتصادية، لأن تركيا كانت تواجه صعوبات اقتصادية منذ العام 2021 وبداية العام 2022، والحرب ستؤثر على الاقتصاد بشكل أكبر، إضافة إلى المخاوف المرتبطة بالأمور الداخلية.

تركيا في مايو/أيار 2023 ستعقد الانتخابات الرئاسية، لذا فقد وقعت الحرب قبل سنة على ذلك، وبالتالي فإن التساؤل المطروح: هل يمكن لهذه الحرب أن تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الانتخابات؟

السياسة الخارجية كانت المجال الثالث الذي كان لأنقرة مخاوف بشأنها. وهناك أيضاً مسألة الطاقة، فتركيا تستورد من روسيا احتياجاتها من الطاقة، وأنقرة وموسكو بينهما تعاون لبناء خط أنابيب لنقل الطاقة، وبالتالي فهذه مخاوف مشروعة لتركيا. وهناك أيضاً العلاقات مع الغرب، فكانت تركيا تحاول تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا في ذلك الوقت، ووقوع حرب في أوروبا كان سيؤدي إلى تصدعات في هذه العلاقة.

إلى جانب ذلك، كانت هناك بعض المشاكل مع فنلندا والسويد، ولكن تركيا استطاعت أن تدير علاقاتها مع الغرب بطريقة جيدة.

نعرف أن الحرب على أوكرانيا معقدة ومتعددة الأوجه، ولكن السياسيين في تركيا واجهوا تحدي أن تكون مواقفهم متوازنة، وتركيا من الدول التي تنادي بوحدة أراضي البلدان وسيادتها، حتى إنها نددت بضم روسيا شبهَ جزيرة القرم، وأيضاً كان لديها مواقف كبيرة، ولكن في الوقت نفسه كان لديها علاقات طيبة مع روسيا تحديداً فيما يتعلق بالملف السوري، والتفاهم المبني بين روسيا وإيران، وبالتالي هذا الحوار المتبادل ازداد خلال السنوات الماضية.

أرادت تركيا أن تحافظ على علاقات جيدة بين روسيا وأوكرانيا، وقدمت نفسها على أنها وسيط بينهما، وظهر ذلك في مبادرات أطلقتها تركيا، حيث دعت وزيري خارجية الأوكراني والروسي بعد ثلاثة أسابيع على اندلاع الحرب، والتقوا في أنطاليا لمناقشة إمكانية وقف الحرب، ولكن لسوء الحظ لم يكن هذا ممكنا. وهذه النقاشات واللقاءات استمرت بين روسيا وأوكرانيا بدعم ووساطة من تركيا.

 

ثانيا: فؤاد ايزدي، أستاذ مشارك في كلية الدراسات الدولية بجامعة طهران

عندما كان الرئيس إبراهيم رئيسي مرشحا للانتخابات الرئاسية كان شعاره تحسين العلاقات مع الجوار الإيراني، والتوسع نحو الشرق مثل روسيا والصين، لذا فالسياسة الأولى كانت جزءا من حملته الرئاسية، والثانية وضعها خامنئي قبل عدة سنوات، وكان يقول إن سياسة التوجه شرقاً ستكون أحد أهدافه الرئيسية عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية، وهذه كانت سياسة إيران إلى أن وقعت الحرب على أوكرانيا لتؤثر على هذه السياسات.

الحرب سرّعت التوجه نحو عالم متعدد الأقطاب، والتحول نحو عالم متعدد الأقطاب ليس مفهوما جديدا، والمرة الأخيرة التي زرت فيها الدوحة كانت لحضور المنتدى، وكان موضوعه تعدد الأقطاب.

التوجه نحو عالم متعدد الأقطاب بدأ قبل الحرب، وأعتقد أن الحرب سرّعت هذا التحول في العلاقات الدولية، حيث بات واضحاً أنه يصعب التفكير بعلاقات طبيعية بين روسيا والغرب والصين، بل هناك آراء في الولايات المتحدة تقول إن واشنطن يجب أن تواجه بكين، وأعتقد أن الحرب في أوكرانيا سرّعت هذا التوجه. لحسن الحظ أن هذا الأمر في مصلحة إيران لأن الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة وإيران تواجه مشاكل معها، منها ما يتعلق بالأصول الدولارية لأن الولايات المتحدة قررت استخدام الدولار سلاحا ضد إيران، وهذا أضرّ كثيرا بالاقتصاد الإيراني.

كذلك، طُردت إيران من نظام السويفت المصرفي بالرغم من أن الأدوية كانت معفية من العقوبات، ولم يعد بإمكان طهران أن تدفع للأدوية لأنها لا تستطيع استخدام نظام التحويلات المصرفية.

الناس في إيران يفضلون العيش في عالم متعدد الأقطاب، بدلاً من عالم تسيطر عليه الولايات المتحدة.

أمر آخر تغيّر بسبب الحرب على أوكرانيا، وهو العلاقات بين إيران وروسيا والنظام المصرفي الروسي، وكانت الشركات الروسية مترددة في التعامل مع إيران بفعل العقوبات المفروضة عليها، خشية أن تطالها العقوبات هي أيضا، ولكن بعد الحرب كانت هذه الشركات ستخضع للعقوبات بأي حال، فلم تعد تأبه بالتعامل مع إيران أو فرض عقوبات عليها.

وهناك الكثير من مجالات التعاون بين إيران وروسيا، منها المجالات الدفاعية والثقافية التي تعززت مع الجانب الروسي، وحتى على الساحة الدولية فيما يخص القرارات المعتمدة في مجلس الأمن.

 

ثالثا: د. هنيدة غانم، باحثة متخصصة في علم الاجتماع السياسي

قد تكون النقطة الأهم والمليئة بالتحديات من الناحية الفلسطينية، هي وقوع الحرب على أوكرانيا في لحظة مفصلية حاسمة تتمثل في التهديد بتصفية القضية الفلسطينية، وبالتالي التحول في القارة الأوروبية إثر الإسقاطات المباشرة، لذا هي عملية تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية هامشية، إن لم نقل أكثر من هامشية، فعمليًّا يتم رميها إلى الساحة الخلفية للسياسة الدولية، والعودة فقط لمتابعتها في حال اشتعال الحرائق وإطفائها، لا أكثر.

الظرف الداخلي الفلسطيني ظرف صعب، فالانقسام أضحى استراتيجيا، والسلطة الفلسطينية في مأزق فلا تستطيع العودة للخلف ولا أن تتقدم إلى الأمام، وأصبحت عملية مأسسة وضعها في هذا الظرف -من الناحية العملية- جزءا من الحل، لأنه لا يوجد حل، وهذا أفضل الموجود.

على الجانب الآخر، من الأمور التي لم تأخذ الكثير من التركيز، التغيرات بين الدول بوصف هذه الدول عوامل ثابتة، نتحدث عن أميركا هي وضع ثابت، ونتوقع أن تستمر سياستها بالوضع الموجود حاليا. كذلك إسرائيل تستمر في اتخاذ الموقف تجاه الأزمة الأوكرانية على أساس وجود نوع من الثبات في سياستها.

ما يحدث على أرض الواقع، هو أن هناك صراعات ذات اتجاه داخلي، بمعنى الانقسامات التي تنعكس على انقسامات داخلية تُحوّل حتى موقف الدول نفسها تجاه القضية.

 

رابعا: د. فاطمة الصمادي، باحثة وأستاذة جامعية أردنية مختصة في الشأن الإيراني

وضعت هذا العنوان “إيران والاتجاه شرقاً: من رفسنجاني إلى روحاني، ومن خامنئي إلى رئيسي”، لأنني أعتقد أن السياسة الخارجية الإيرانية منذ نشأة الجمهورية الإسلامية تقوم بمحاولات تجريب وإعادة تجريب.

في عهد أحمدي نجاد، كان هناك خلاف من الناحية السياسية يتعلق بالتوجه شرقاً لدى إيران، لذا نجد من فترة رئاسية إلى أخرى اختلافا في الأهداف، ونجد دولا أخرى تتوجه لها إيران شرقاً.

منذ البداية وحتى اليوم، هناك مجموعة من العوامل المؤثرة في موضوع التوجه شرقاً في إيران، أبرزها موضوع الأولويات؛ هل هو الأمن والاستقرار والتنمية، أو تهدئة الصراع؟ لذلك مسألة العلاقات مع الولايات المتحدة هي عامل مؤثر جداً في رسم سياسة التوجه شرقاً لدى إيران، وهذا مرتبط بالتفاوض وفشل الاتفاق والعقوبات وتصاعد التهديد والسعي لموازنة التهديد.

هذه المسألة مرتبطة بصورة أساسية باللعبة الداخلية الإيرانية، وأي نموذج يجب أن تتبعه طهران في سياساتها الخارجية، ولذلك فهذا مرتبط بصورة أساسية بالنقاش الداخلي الإيراني حول الأولويات: أيهما أهم؛ التنمية الاقتصادية أم التنمية السياسية؟ وكيف؟

نجد أنه عندما تولى رفسنجاني الرئاسة ركز على استلهام واستعارة النموذج الصيني لعمل نوع من الحلحلة مع الغرب، ونوعٍ من التهدئة مع الجوار الإقليمي، وقد أفلحت هذه السياسة بعض الشيء، لكن كان لها تأثيرات سلبية داخل إيران وخارجها، فنجد أنه في عهد رفسنجاني كان هناك نوع من التهدئة مع دول الجوار وحلحلة مع الاقتصاد الحر في البلاد، لكن هذا ترك تأثيراته على الداخل الإيراني، وهو ما أثر على حالة التنظير الفكري وجاء بمحمد خاتمي إلى الرئاسة.

في عهد خاتمي وجدنا أن الأولويات تغيرت، فالأولويات التي حكمت السياسة الخارجية الإيرانية في عهد رفسنجاني تغيرت في عهد خاتمي، ووجدنا أن التنمية السياسية تراجعت وحدث إغفال للحالة الاقتصادية، ووجدنا أن محمد خاتمي تبنى حوار الحضارات، لكن في أوج فترته الرئاسية الثانية جاءته الضربة من الولايات المتحدة عندما صنفت إيران ضمن محور الشر، وكانت ضربة لتوجهات خاتمي في إرساء علاقات جديدة مع الغرب.

هذا الفشل كان أحد أسباب المجيء بأحمدي نجاد، وهو الذي طرح الاتجاه شرقاً في السياسة الخارجية، وفي فترته الرئاسية الأولى أدار ظهره للغرب بصورة كبيرة جداً، وكان يستند إلى أن لديه عوائد نفطية كبيرة جداً، بلغت في عهده 620 مليار دولار، وهذا كان أمرا لافتا جداً، ولكنه كان عاملا أساسيا في بناء السياسة الخارجية لأحمدي نجاد.

سريعًا، وجدت إيران نفسها مع عقوبات قوية لأول مرة شملت قطاع النفط، ووجدنا أن ملف إيران النووي ينتقل إلى مجلس الأمن، ووجدنا سلسلة عقوبات دولية، ووجدنا الصين تنخرط في تنفيذ العقوبات على إيران وتوجيه ضربة قوية لتوجهها شرقاً.

وعادت إيران إلى التجريب في السياسة الخارجية مع روحاني، والتوجه نحو الغرب والرهان على تحسين العلاقة معه، وعندما جاء إبراهيم رئيسي ابتعد عن سياسة روحاني وبدأ يصوغ سياسة ترتكز بصورة أساسية على تحييد العقوبات والبحث عن بدائل، فطرح مسألة أولوية الجوار.

 

الجلسة الخامسة: أزمات العرب قبل الحرب وبعدها

 

أولا: مصطفى النعمان، كاتب سياسي يمني

الحرب في أوكرانيا لم يكن تأثيرها مباشراً على اليمن، فليس هناك ما يربط اليمن بأوكرانيا أو روسيا مما يصعّب على اليمنيين حياتهم أكثر مما هي صعبة، والتأثير المباشر الوحيد في مسألة الحصول على الغذاء، فاليمن بلد فقير والأسعار أصلا تنهك المواطن، والحرب زادت من صعوبة الحصول على المواد الغذائية بانتظام، وأثرت على الوضع الإنساني الكارثي الذي يعيشه اليمنيون.

ومن هذا التأثير انشغالُ العالم عن الحرب في اليمن بحرب أكثر خطورة وأكثر قربا من مراكز النفوذ الدولي والعالمي، وبالتالي كان من الصعب جداً على اليمنيين أن يشاهدوا العالم قد غاب عنهم وانشغل بمأساة وكارثة أكبر.

الحرب في اليمن وخلال 8 سنوات، لم يستطع أي من أطرافها أن يحسمها لصالحه، وامتداد فترة الحرب أنشأ لها منطقا غير المنطق الذي بدأت به.

الآن، ماذا أفرزت الحرب خلال 8 سنوات؟ في بدايتها كانت حربا بين الحكومة الشرعية والتحالف وبين الحوثيين والانقلابيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح، واليوم نرى أكثر من قوة مسلحة تسيطر على مساحات جغرافية لا تستطيع الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا أن تتعامل معها مباشرة، وهذه الجماعات للأسف ممولة إقليمياً، ومحكومة بعوامل وتأثيرات خارج اليمن.

ونعلم أن الحرب في اليمن كانت بين يمنيين وبين التحالف، واكتشفنا حالياً أنها حرب بالوكالة، فاليمنيون استُخدموا وقودا لحرب إقليمية أو لصراع نفوذ إقليمي.

اليوم سنعرف إن كان الاتفاق السعودي الإيراني سيضع حداً لهذه الحرب، ويجعلها تصل إلى نهايتها، وهذا لا يعني أن السلام سيكون حاضرا في اليمن، فالقوى المسلحة الموجودة صارت لها أجنداتها الخاصة بها، ومصالحها التي تريد أن تحميها، وبالتالي حتى لو انتهت الحرب ماذا سنفعل بالمليشيات التي صارت مسلحة ولها نفوذ؟

من مآسي الحرب اليمنية أنها بدأت لتحقيق أهداف معينة، واليوم نجد أن هذه الأهداف لم تتحقق، والنفوذ الإيراني صار أكبر وبأقل الكلف، والحدود السعودية صارت أكثر عرضة للهجمات الحوثية، ومنطقة الخليج مع وجود سلاح ومسيّرات بعيدة المدى صارت أكثر عرضة للهجوم.

 

ثانيا: صلاح الدين الزين، مستشار مدير شبكة الجزيرة الإعلامية، وخبير في الشأن الإفريقي

نعرف أن المنطقة تعيش أزمات بعضها مرّ عليه عقود، كالحروب الأهلية والتوترات السياسية في بعض البلدان، وفي رأيي عندما بدأت الحرب بين روسيا وأوكرانيا كانت تأثيراتها المباشرة اقتصادية تتعلق بمصادر الطاقة، ودخول المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة دفع الأزمة إلى تداعيات ذات أبعاد سياسية واستراتيجية وأدى إلى صراع نفوذ، وهذا الذي انعكس بشكل مباشر على بعض الأزمات في المنطقة.

على عكس الحالة اليمنية التي ربما لم تتأثر بشكل مباشر، فإن الحالة السودانية، في تقديري، من الأزمات التي تأثرت بشكل مباشر جداً بسبب تداعيات هذه الحرب. وأود أن أبدأ بتذكير المتابعين بأنه عندما اندلعت الحرب في فبراير/شباط 2022، وقبلها بأيام قليلة، كان هناك وفد رفيع المستوى برئاسة الفريق حميدتي موجودا في موسكو وعاد بعد اندلاع الحرب.

وعندما عاد الفريق حميدتي تحدث بصورة إيجابية عن مستقبل العلاقات السودانية الروسية وعن الشراكات المقبلة، وكان الموقف لافتا، يضاف إليه موقف حدث قبل شهر، في الفترة من 6 إلى 8 فبراير/شباط من هذا العام، إذ تزامن وجود عدد من المبعوثين الدوليين لمتابعة عملية الانتقال السياسي في السودان، مع وجود وزير الخارجية الروسي في البلاد، وبدؤوا الحديث عن الدفع لتشكيل حكومة انتقالية، وخلال وجودهم زار وزير الخارجية الروسي البلاد، وهذا يطرح الكثير من التساؤلات.

الجميع يدرك الأهمية الجيوسياسية للسودان، فهو دولة غنية جداً بمواردها المعدنية والزراعية، ويحادد 7 دول إفريقية مهمة جداً، كما له سواحل تطل على البحر الأحمر لأكثر من 700 كلم، فهو مدخل لأمن البحر الأحمر.

الحرب عززت من الأهمية الاستراتيجية للسودان لدى الطرفين، ولكن للأسف بسبب تصارع الأطراف السياسية فإن هذه الأهمية الاستراتيجية أدت إلى تعقيد كبير في المشهد السياسي، فالغرب سيكون حريصا على تشكيل حكومة مدنية تكون موالية له في ظل الصراع مع روسيا، والأخيرة حاضرة في البلاد بقوة، ولديها الكثير من الأوراق لتلعب بها، فهي مصدر سلاح الجيش السوداني، فهل يقبل الجيش بحكومة تدير ظهرها لروسيا؟

 

ثالثا: محمد سرميني – مدير مركز “جسور” للدراسات

من الناحية العسكرية هناك تأثير مباشر للحرب الروسية الأوكرانية على سوريا، فروسيا بدأت تعيد تموضعها بالنسبة لقواتها، لا نقول تراجعا أو انسحابات كبرى، ولكن إعادة شكل ودور القوات الروسية في سوريا، فأصبح بينها وبين القوى والمليشيات الإيرانية في سوريا نوع من التنسيق، فحصل ما يسمى عملية الإحلال، فانتقلت بعض القوات الروسية من بعض المعسكرات لتنتقل لصالح المليشيات الإيرانية التي لديها عدد أكبر من الرجال مدعومة من حزب الله، ولذلك فلديها مرونة أكبر في الحركة.

منذ الشهر الأول، بدأت قوات فاغنر، وأحيانا القوات الروسية الرسمية، بطلب مقاتلين والزج بهم في المعركة في أوكرانيا، وهذا ما حصل من خلال مناطق في جنوب سوريا مثل السويداء ودرعا، وكذلك في مناطق مثل حمص والساحل السوري، فتم فتح مكاتب خاصة تابعة لقوات فاغنر من خلال وسطاء محليين سوريين، وتم تجنيدهم مقابل مبالغ مالية، ليلتحقوا بمعسكرات في بيلاروسيا، ثم تم الزج بهم في أوكرانيا.

تم تخفيف الهجمات الجوية الروسية المرتبطة بقصف بعض المناطق المحسوبة على المعارضة السورية، بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

أما على الجانب السياسي، فقد تأثر بشكل مباشر، فحصل أن روسيا طلبت من النظام أن يطلب تعليق اللجنة الدستورية، بسبب أن جنيف لم تسهّل الحصول على التأشيرات نتيجة الحصار الذي حصل، واعتبروه انخراطا في الصراع.

ومنذ انطلاق الحرب الأوكرانية الروسية لم تتم أي عملية سياسية، فكلها تقريباً مجمدة، والأحاديث عن إعادتها ليس لها أي أساس.

وعلى المستوى الإنساني، تأثرت مناطق المعارضة والنظام بشكل كبير، لأن الأزمة الغذائية الدولية جعلت الأمم المتحدة تخفض النسب المخصصة للمناطق السورية، ومن المتوقع أن يتم المزيد من التراجع. ومع الزلزال الذي وقع في سوريا وتركيا، ازدادت الأزمة الإنسانية سوءا، كما لم تعد الأزمة السورية في سلم الأولويات الدولية.

رابعا: شفيق شقير، باحث في مركز الجزيرة للدراسات، متخصص في شؤون المشرق العربي، والحركات الإسلامية

انخراط روسيا في الحرب الأوكرانية أضعف من موقفها في منطقة الشرق الأوسط، وأصبحت لاعباً بقدر ما تسمح لها الأطراف الأخرى، مثل إسرائيل والولايات المتحدة، لأن بإمكانها أن تشغل روسيا في مواجهتها.

ويبدو أنه مع انشغال روسيا بأوكرانيا أصبح لبنان عالقاً، مما تسبب في انهيارات، لا سيما أن المملكة العربية السعودية تتساءل لماذا عليها أن تمول حزب الله الذي سكن الدولة اللبنانية، وتطوّرَ خطاب المملكة على مرحلتين: الأولى أن حزب الله دولة داخل الدولة، وفي المرحلة الثانية أن حزب الله مهيمن على الدولة.

لبنان كان يُنظر إليه على أنه جسر بين الشرق والغرب، فلم يكن مطروحاً أن يكون جسراً مع إيران، وعندما أصبح لأول مرة رئيس جمهورية يتحدث أن البلاد جسر حتى مع إيران اختل التوازن حتى في الهوية اللبنانية.

أيُّ حل في لبنان سيطرح عددا من الأسئلة، الأول يتعلق بسلاح حزب الله، والثاني إلى أي حد تحتاج الدول العربية من ضمانات أنه سيبقى عربياً كما يطرحون؟ وما هي الصلاحيات التي يجب أن تعطى للأطراف والطوائف اللبنانية؟

 

الجلسة السادسة: التغطية الإعلامية للحرب

 

أولا: أحمد فال الدين، صحفي محترف، وروائي

السادة الحضور الكرام، أبدأ حديثي بما تعرضتُ له في ليبيا منذ 12 عاما، عندما كنت في سرداب في ضواحي طرابلس تحت سيطرة كتائب القذافي، وقال لي ضابط هناك وأنا مغمض العينين: “الضابط الروسي الذي علمني قال لي إنه إذا كان أمامي ضابط وصحفي، فأنا أعتقل الصحفي أولا لأنه الأخطر”.. هكذا هي طبيعة المهنة التي نمارسها، وهذا هو مدخل حديثي اليوم.

الصحفي يواجه 4 تحديات كبرى عندما يذهب إلى منطقة نزاعات:

أولها التحدي الأمني، فقد يذهب الصحفي إلى فندق ويعتقد أنه آمن، ثم تشتعل فيه الحرب، وكذلك بعض المناطق الآمنة قد تتحول في لحظات إلى ساحة حرب، حتى الأشخاص قد يبدو أنهم موضع ثقة وهم عكس ذلك، وفي العام الماضي مثلا قتل 67 صحفيا في مناطق النزاعات.

التحدي الثاني هو المهنية، لأنك عندما تعمل في منطقة نزاعات، تكون المهنية على المحك، لأن رسالتك قد يساء فهمها.

الثالث هو تحدٍّ معرفي، فالحرب تقع فجأة، وقد يحمل الصحفي حقيبته إلى بلد لا يعرف أي شيء عنه، ويبدأ سباقا مع الزمن ليعرف كل شيء عن هذه البيئة الجديدة، فيكون أمام تحد معرفي حقيقي، فكيف تثقف نفسك وفي الوقت نفسه تنقل المعلومة الصحيحة إلى المتابعين؟!

التحدي الرابع هو الأخطر، وهو التحدي النفسي والعاطفي، فالصحفي إنسان من دم ولحم وله علاقاته الإنسانية الطبيعية، ولكنه يجد نفسه فجأة يعيش في بيئة بها قصص إنسانية صعبة جدا، ويجب عليه استيعابها قبل أن ينقلها للناس.

إن الصحفيين عندما يقدمون هذه القصص والروايات الإنسانية الصعبة يعانون من أزمات كبيرة، فالضحية دائما ينتظر منه المساعدة، وهذا أمر شديد الصعوبة لأنه يجب أن يقف على مسافة واحدة من الجميع.

 

ثانيا: صهيب العصا، صحفي فلسطيني

لقد فتح زميلنا أحمد فال الدين علينا جراح تغطية أفغانستان، فعندما وصلتُها كانت الجموع تحاول الدخول إلى المطار لمغادرة البلاد، وعندما وصلنا إلى النقطة الأخيرة قابلنا الضابط الأمريكي وفوجئ أننا صحفيون نريد دخول البلاد بينما يرغب الجميع في الخروج منها، وحينها قال لي “الصحفيون أكثر جنونا من الجنود”.

إذا تحدثت عن تجربتي في أوكرانيا فهي الأكثر حساسية، لأننا كصحفيين في المنطقة العربية مكتوب علينا دائما المقارنة بين ما يحدث في منطقتنا العربية وما يحدث في مناطق أخرى، ولكنك عندما تمثل شبكة الجزيرة يجب أن تعرف أنك تمثل مؤسسة موجودة على طرفي الجبهة، وتنقل الحقيقة دون تحيز إلى أحد. وعلى الجانب الآخر، عندما دخلنا إلى مناطق القتال التي سيطرت عليها روسيا ثم استعادتها أوكرانيا، وقبل ساعات من الإعلان الرسمي عن استعادة تلك المنطقة، دخل مراسل شبكة “سي إن إن” إلى المنطقة وكسر كافة الحواجز والمعايير التي وضعتها أوكرانيا، وفتح “الهواء” لنقل الأفراح والاحتفالات، فانعقدت أمامي مقارنة: ماذا لو خرج صحفي عربي وفعل ذلك ووقف يهلل لعملية عسكرية في العراق أو فلسطين أو أفغانستان ضد أمريكا أو إسرائيل، ماذا ستكون ردة الفعل على تصرف هذا الصحفي؟ وما هي الاتهامات التي كان يمكن أن يتعرض لها؟

كذلك عندما دخلت إلى أوكرانيا، كان هناك مئات من المنظمات الإنسانية العالمية التي تقدم الدعم للاجئين، وكأن هؤلاء ليسوا كغيرهم من اللاجئين.

كانت في أوكرانيا مشاهد مروعة، ونفس المشاهد كانت في فلسطين والعراق وأفغانستان، ولكن لم يتم التعامل معها بنفس الطريقة.

كل الحروب سيئة وكلهم بشر، ونحن صحفيون يجب أن نقف على مسافة واحدة من الجميع.

 

ثالثا: هدى عبد الحميد، مراسلة بقناة الجزيرة الإنجليزية

الذهاب إلى ساحة حرب يحمل الكثير من المسؤوليات، فهناك عدة قضايا يجب طرحها عند اندلاع النزاع، ويكون هناك استقطاب، فإذا كنت مع هذا الطرف فأنت صديق، وإذا كان العكس فأنت عدو.

عندما بدأت الحرب ظهرت أوكرانيا كطرف مظلوم وروسيا هي المعتدية، وفي المقابل عندما بدأت الحرب الأمريكية على العراق كان العكس، فكانت أمريكا هي الطرف الطيب والعراق هو الشرير.

وهكذا كان تقسيم وسائل الإعلام، وهذا أمر لا تستطيع وسائل الإعلام التعامل معه بشكل جيد، وهناك أمور كثيرة مماثلة.

هناك تباين بين من يقول لك الحقيقة ومن لا يريد أن يخدعك، ونحن في شبكة الجزيرة نلتزم الحياد، وقد نجد من يعطينا معلومات خاطئة، وعلينا أن نتأكد من أي معلومة لأن كلمة واحدة خاطئة يمكن أن يكون لها آثار سلبية، وعلينا أن نلتزم الحياد وأن ننقل الحقيقة.

ولكن هناك جوانب أخرى نشير إليها، ففي العراق وجدنا جثثا مقطعة، فكيف لنا أن نلتزم الحياد ونحن نرى أبا يفقد كل أبنائه دون سبب، لذلك يجب على الصحفي أن يقف مع نفسه كل فترة ويقيّم الأوضاع.

في أوكرانيا كان هناك تركيز دولي على موضوع اللاجئين، وشاهدنا الملايين يهربون على الحدود، ولكن قبل سنوات كانت هناك طوابير في سوريا وأفغانستان، ولم يلتفت إليها أحد بالرغم من أنها نفس الطوابير.

 

رابعا: فهد أحمد، المستشار القانوني للجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف

يسعدني أن أكون معكم في الدوحة، وأشكر الجزيرة على هذه الدعوة. إنني أمثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر وهي تعمل بحيادية واستقلالية، هدفها توفير المساعدة للأشخاص الذين تأثروا بسبب النزاعات والحروب، وكل القصص الإنسانية التي استمعنا إليها خلال هذه الجلسة يتعامل معها الصليب الأحمر.

نحن في الصليب الأحمر نتمتع بالاستقلالية والحيادية ونقدم الدعم للسكان في مناطق النزاعات المختلفة دون التحيز إلى جانب على حساب الآخر، فدعم الصليب الأحمر ليس بسبب الجانب الذي ينتمي إليه الأشخاص، ولكن بسبب حاجة هؤلاء الأشخاص للمساعدة.

إن الرابط بين العمل الإنساني والصحفي أمر دقيق، فهذا التداخل موجود في وسائل الإعلام التي تعمل بقوة لتوفير معلومات دقيقة للناس، وينبغي أن نرفع مستوى الوعي لدى الناس خلال فترة الصراعات والنزاعات المسلحة بما يحدث على أرض الواقع، وهذه مسؤولية الإعلام، وقد استطاعت وسائل الإعلام توفير المعلومات في الكثير من المناطق الساخنة.

أرى أن وسائل الإعلام يجب أن تهتم بالمعاناة التي يواجهها الناس في أي مكان بنفس القدر، سواء في الساحل أو في القرن الإفريقي، أو في اليمن وأفغانستان وسوريا، فوسائل الإعلام يجب أن تكون منصة ومنبرا للضحايا في مناطق النزاع.

إن جبهة القتال هي جبهة أيضا للصحفيين لأنهم يصلون إلى مناطق لا يستطيع أحد غيرهم  الوصول إليها في الحروب، وعلى الصحفيين التأكد من أن المعلومات التي يتم نقلها معلومات صحيحة، والصحفيون عندما ينقلون هذه المعلومات يكون لها صدى كبير على كافة الأوساط.

يتمتع الصحفيون بحماية القانون الدولي، وبإمكانهم عرض عمل الوكالة الإغاثية والإنسانية والربط بين من يحتاجون المساعدة وبين المنظمات الإغاثية.

وفي اتفاقيات جنيف هناك مادتان، المادة 79 من البروتوكول الأول، والمادة 4 من البروتوكولات الملحقة التي تتحدث عن حماية الصحفيين، وإذا قرأناها بتمعن نجد أنه يجب توفير الحماية للصحفيين، ونشير هنا إلى أن الصحفيين يُعامَلون وفقا للقانون الدولي معاملة المدنيين، وتوجد جملة من المضامين التي توفر حماية محددة ومخصصة للصحفيين.

إن الأزمة الحقيقية التي تواجه الصحفيين في مناطق النزاعات ليست في نقص أو غياب النصوص القانونية لحماية الصحفيين، ولكن في الإخفاق في تطبيقها، والدول المسؤولة عن تطبيق اتفاقيات جنيف على الأرض، عليها محاسبة الأطراف التي لا تلتزم بحماية الصحفيين.

كثيرا ما يتعرض الصحفيون للعنف في مناطق النزاعات، وكثيرا ما يلعب الصليب الأحمر دور في حمايتهم وتقصي أماكن تواجدهم، وتقديم الحماية والدعم لهم ولذويهم في حالات الوفاة أو الخطف.

 

خامسا: سكوت غريفن، نائب مدير المعهد الدولي للصحافة، الشبكة العالمية للمحررين والصحفيين المعنية بدعم حرية الصحافة وسلامة الصحفيين

شكرا جزيلا على دعوتكم لي في هذه الجلسة.

إن عمل الصحفيين تأثر خلال الحرب القائمة حاليا في أوكرانيا بشكل كبير، ولم يكن لديهم القدرة على القيام بعملهم بالشكل المطلوب، ونحن في المعهد الدولي للصحافة ندرس تأثير الاعتداءات على الإعلاميين من الجانب الروسي، سواء قبل الحرب على أوكرانيا أو خلالها.

وقد وثقنا حتى الآن 932 اعتداء على الصحفيين خلال الحرب الروسية، تعددت أشكالها ما بين اعتداءات جسدية أو معنوية أو قيود على القيام بمهام عملهم، و80% من تلك الاعتداءات قام بها الجانب الروسي، و10% لم نعرف المسؤول عنها، وهي اعتداءات سيبرانية.

إن حرب روسيا حرب على الصحافة، ووسائل الإعلام الأوكرانية والمراسلون في أوكرانيا شهدوا الفظائع الجسدية لهذه الحرب والمضايقات التي تعرضوا لها.

ومن بين حالات الاعتداءات التي رصدناها، الاعتداءات الجسدية والاستهداف المباشر للصحفيين، واستطعنا توثيق 10 حالات قتل لصحفيين قتلوا بشكل مباشر أثناء تأدية عملهم في ساحة الحرب. كما توجد اعتداءات على وسائل الإعلام في أوكرانيا، منها الاعتداء على مبنى قناة تلفزيونية. وهناك ظروف صعبة يواجهها الصحفيون، ووثقنا عددا من حالات الاختطاف لصحفيين.

وبالنسبة للجانب الأوكراني، رصدنا عددا قليلا من الاعتداءات على الصحفيين، ومعظمها تعود إلى منع المعلومات.

نحن كمنظمة ندافع عن حرية الصحافة، ورأينا نزوح أعداد كبيرة من الصحفيين بسبب الحرب، وهناك حركة من شرق أوكرانيا إلى غربها حيث ترتفع نسبة الأمان.

وتحدثنا مع عدد من المراسلين في أوكرانيا عن التحديات التي يواجهونها، وفي الحقيقة يوجد دعم دولي للمراسلين هناك عبر توفير الموارد الخاصة بالصحافة، فالكثير من وسائل الإعلام في أوكرانيا تغيرت أوضاعها بعد قيام الحرب، فعلى سبيل المثال توقف الدعم المالي لبعض المؤسسات الإعلامية، وفي الشتاء توجد مخاوف من انقطاع الكهرباء والإنترنت، مما يهدد العمل الصحفي هناك.

كما شاهدنا قدرة بعض المؤسسات الإعلامية في أوكرانيا على تكييف أوضاعها مع الأحداث التي تقع على أرض الواقع.

إن المراسلين في أوكرانيا يتابعون نقل الحقيقة، ولكنهم يعلمون أن الحرب ضد بلدهم وعليهم تحقيق التوازن بين مشاعرهم ومهنيتهم.

وأعتقد أن مسألة طول أمد الحرب تصنع مشاعر مختلفة، ففي المراحل الأولى من الحرب يشعر الإنسان بنسبة خوف عالية، ومع مرور الوقت تصبح الأمور أكثر صعوبة لأن الحرب تحولت إلى ماراثون لا يعلم أحد نهايته.

 

الكلمة الختامية: الدكتور محمد المختار، مدير مركز الجزيرة للدراسات

السيدات والسادة.. هذا المنتدى مناسبة قيمة للحوار الحر وغير المرتب، ننتقل فيه من حوار الوقائع إلى حوار الأفكار.

وقد حاولنا خلال هذه الدورة أن يكون الجميع حاضرا لعرض قضيته وآرائه، كما حاولنا أن يكون تمثيل الأطراف المختلفة معقولا ومتوازنا وفقا لما أتاحته لنا الظروف، لأن بعض الأمور تكون خارجة عن إرادتنا، مثل اعتذار بعض الضيوف في اللحظات الأخيرة قبل بدء المنتدى.

الحضور الكريم.. نحن مركز بحث في شبكة إعلامية، ولهذا جوانب متعددة كما له فوائد، ونحن نناقش حوارا حيا وحراً، ونشكركم جميعا لأنكم حضرتهم وناقشتم وصبرتم ولم تعتذروا.

طبعا، هذا أول حدث لنا بعد جائحة كورونا، ومن هنا نشكر الجميع شكرا حقيقيا لأننا عانينا لكي تكتمل الصورة حتى آخر لحظة.

نشكر شبكة الجزيرة، ونشكر جنود الخفاء في مركز الجزيرة للدراسات الذين لم تروهم ولن تروهم، والذين يواصلون العمل ليلا ونهارا.

وأشكر الإخوة الذين شاركوا في التغطية، والعلاقات العامة، على ما قدموه، والإخوة في الترجمة الذين جعلونا نتعايش مع كلمات المشاركين بواقعية.

ونشكر المتطوعين الذين حضروا حبا في شبكة الجزيرة، دون أي مقابل.

 ونشكر الله عز وجل بدءا وختاما.

ونعدكم أن يكون المنتدى القادم في صورة أفضل وأوضح.. وندرك أن ذلك تحدٍّ لنا، ونحن أولى أن نقوم به وسنقوم به إن شاء الله تعالى، ونرجو أن لا تكون هناك أخطاء فادحة خلال هذه الدورة.

وإلى المنتدى 15 في العام المقبل إن شاء الله.