اتفق المتدخلون في ندوة "مستقبل التغيير في العالم العربي" على أن الانتكاسة الثورات العربية ليس نهاية المطاف، بل قد تكون بداية لمرحلة جديدة تحمل بذدور التفاؤل، مثلما عكسه عزوف المصريين عن التوجه لصناديق الاقتراع على رغم التخويف والتهديد الذي يعانيه الشعب.
ودعا المتدخلون إلى ضرورة مراجعة الأخطاء التي وقعت فيها الثورات العربية، وتوحيد الصفوف، لافتين إلى أن تجربة التاريخ بينت أن الثورات في أوربا وأميركا اللاتينية مرت بإخفاقات مماثلة وتطلبت سنوات من التضحيات والدماء، قبل أن تنتصر في نهاية المطاف، والربيع العربي لم تمر عليه سوى 4 أعوام، ما يجعل من السابق لأوانه الحكم على فشله.
كما أن اعتبر بعض المتدخلين أن الحكومات الانقلابية لن تنجح لأنها لا تملك مشروعا أو بديل ديمقراطيا، بل إنها تستقوي بالعنف والتخويف، والتذرع بالأمن والاستقرار للعودة إلى السلطة. كما أن جيل الشباب الذي فجر الثورات العربية لن يعود إلى منازله، مهما بلغت التهديدات، ولا مجال أمام الحكومات "الانقلابية" والثورات المضادة سوى الانسياق لمنطق حتمية حركة التغيير التاريخية التي انطلقت في العالم العربي.
أخطاء الحكومات المنتخبة لا تبرر الانقلاب
وفي مستهل الندوة التي أدارها الإعلامي والمذيع بقناة الجزيرة عبد الناصر عبد الصمد، قال السيد وضاح خنفر، رئيس منتدى الشرق إن "الخوف والقلق من المستقبل أمر طبيعي. ونحن نمر بثورة عربية حقيقية نمت من داخل المنظومة العربية، وليست استثناء ولا حدثا طارئا، ومادام الأمر قد بدأ، فلا بد أن يستمر".
واعتبر خنفر أن "من يفكر أنه يمكن الانقلاب على الربيع العربي مخطئون، لأن الجديد الذي يولد اليوم، تأخرت ولادته عقودا من الزمن، لأن أمما أخرى مرت بهذه التجربة قبل عقود من الزمن، فنحن تأخرنا عن حركة التاريخ الكونية. وبالتالي الحديث عن انقلاب على هذه الظاهرة التاريخية المتجذرة في ضرورات التحول لا تقوم له حجة".
واعترف أن "الحكومات المنتخبة كانت لها أخطاء في التعامل مع المجتمعات العميقة والظروف المحيطة، وما يحدث اليوم أننا نعيش محاولة نحو الماضي وليس نحو المستقبل". لكنه شدّد بالمقابل على "أن الأنظمة الانقلابية الفاشلة تحاول التشبت بتلك الأخطاء لفرض منطقها الإنقلابي، وتنسى فشلها الذريع وأخطائها التي لا تقارن بأخطاء الحكومات المنتخبة بعد الربيع العربي"، معتبرا أن "الحكومات الانقلابية تتباهى بالاستقرار والأمن، وتحارب بها فشلا ما في مشروع كبير، وهذا التزييف سينقضي يوما ما. والديكتاتوري الفاسد يزو الحقائق.. والوعي الشعبي يستطيع أن يكتشف التزوير الفاسد، كما يحدث اليوم في مصر".
واستشهد خنفر بأن تجارب العالم مرت بنفس ما تمر به الدول العربية، مع قليل من التباين، مثل أميركا اللاتينية التي تمر بفترة تحول منذ 21 عاما، ومرت بعقبات مؤلمة، ومليشيات مسلحة، وانهيارات اقتصادية، وتغير حكومات ( 5 حكومات في 5 أيام بالأرجنتين).
وعلق يقول: "إن أربعة أعوام بعد الثورات ليست شيئا، وربما هذه الانقلابات خير، لأن سيقنع كل المترددين أنه لا بديل من دفع الثمن، ولو كان الثمن دمويا ومكلفا، لأن الانقلاب لا يحمل أملا بالاستقرار، بل يبشر بالسلطة والقوة لاستقرار الأمور، وهذه جربتها الشعوب من زمن الاستقلال".
وشدّد يقول إن "الانقلاب في هو استثمار في مخيال فاشل، لأنه لا يقدم رؤية للمستقبل ولا تقنع عامة الناس الذين يتطلعون إلى عالم أفضل. والانقلاب هو استثمار في الماضي، وفشل ذريع، وأي حكومة انقلابية لن تنجح. والحكومات المنقلبة لما تفشل تصبح دموية، بينما الحكومات المنتخبة لما تفشل تستقيل وتستعد للعودة عبر صناديق الاقتراع، بينما المنقلب يخشى من الاعدام وانتقام الشعب".
وخلص المدير العام السابق لشبكة الجزيرة إلى القول إن "الواقع الذي يمر به العالم العربي فريد، لكن فيه خير كثير. والنظام العربي بني على غياب الشرعية، والتجزئة، وتدخل من الخارج، وما يصنعه العالم العربي هو تصحيح لخلل تاريخي عميق".
وختم بالقول: "منذ 1917 ونحن نحلم بواقع عربي كريم، وأمتنا العربية أهينت منذ 100 عام، ولما جاءت لحظة استعادة الكرامة، حاول بعض الناس إعادتنا إلى عخد الهوان، وهذا سيفشل، ولو كلفنا ذلك دماء لعقود من الزمن، لاستعادة هذه الكرامة".
الدعوة لتأسيس مجلس أمناء لحماية الثورات العربية
من جانبه، الدكتور أيمن نور، رئيس حزب غد الثورة المصري وفي حديثه عن مستقبل التغيير في مصر، قال إن لغة التغيير بلغة العسكر في مصر تعني ببساطة "إلى الخلف در"، ولكن المتغيرات تدعو للتفاؤل، وتحديدا بعد الذي حدث يوم 28 مايو 2014" مضيفا "إنني أرى دواعي للتفاؤل.. فلقد كان يوما جنائزيا، وكنا نتصور أننا سنشيع جثمان ثورتنا، بدخول رئيس جاء من الثورة المضادة إلى قصر الرئاسة، وفوجئنا أن الجثة بها إصبع بقدمها يتحرك، وتعود روح الثورة أمام المشهد الهزلي الذي يحدث في مصر"، لافتا إلى أنه - وربما لأول مرة في مصر وغيرها من الدول- ليوم إضافي، وتغيرت كل قواعد العملية الانتخابية، وهذا الذي حدث اليوم، لم يحدث حتى في عهد مبارك.
واعتبر الدكتور أيمن نور أن الأرقام في الانتخابات لا قيمة لها، لأن الواقع فاضح. والمشهد الحالي في مصر يعكس حقيقة أن الرئيس سيدخل قصر الرئاسة عبر صناديق فارغة. والذين راهنوا على فشل الشعب المصري، فشلوا، وبين الشعب بأياديه العارية وصدوره المكشوفة أنه قادر أن يقلب موازين محلية وإقليمية ودولية راهنت على الماضي، وعلى الوهم والغش، وباعوا أحلاما مغشوشة.
وقال إن الشعب المصري لم يحسن التخطيط بعد انسحاب مبارك من السلطة، بينما كان النظام يخطط لما بعد انطلاق الثورة، وعمل على التفرقة بين الشركاء السابقين لنجاح الثورة، قبل أن يفشلوا في التأسيس لانسجام سياسي.
وعن مستقبل المشهد المصري، قال الدكتور نور إن "المستقبل يكون بمراجعة أخطاء الماضي والانطلاق منها إلى المستقبل"، موجها نداء للرموز الوطنية والثورية لتحويل منتدى الجزيرة من قول إلى فعل، وإلى العقول العربية لتأسيس كيان أو مجلس أمناء لحماية الثورات العربية وتقديم خبرات ومعلومات توفر جهودا وسنوات من الدم والعنف التي تعيشها دول الربيع العربي الآن، لأن ما قيل في المنتدى مهم جدا. ولا بد لبلدان الثورات أن تتعلم من أخطائها.
وردا عن سؤال حول مسؤولية الإعلام في حدوث الانقلاب في مصر، قال إن الإعلام لعب الدور الأسو، وقام بعملية شحن طيلة عام كامل، انتهت إلى ما هي عليه الأوضاع.
الحاجة لديمقراطية عربية واضحة الأهداف
بدورها، قالت فلورنس غوب، مسؤولة برنامج الشرق الأوسط بمعهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية بخصوص مستقبل التغيير بالقول: إن السؤال الذي يجب أن يطرح: إلى أين يود العالم العربي أن يتجه؟
واعتبرت أن وجهة النظر الأوروبية ترى أن التغيير في العالم العربي هو نتاج للأزمات، سواء كان تغيير الأنظمة أو حياة الناس. وهناك أربع خيارات هي تأسيس الديمقراطية، أو ديمقراطية انتقالية، أو امكانية العودة إلى الديكتاتورية، أو مواصلة الحالة الديكتاتورية، مشيرة إلى أن الناس في العالم العربي يتطلعون إلى نموذج الثورة الفرنسية التي تطلبت 100 عام لتؤثي ثمارها، للقول إن ذلك ما سيكون عليه الحال في الدول العربية، وهذا خطأ، لأن التجارب مختلفة".
ونوهت إلى أن الدولة عليها أن تقدم "الأمن" و"الرفاهية" و"التمثيل الديمقراطي للناس"، وعلى الدول أن تغطي على الأقل مقومين من المقومات الثلاثة، لتنجح، بينما الدول التي كانت تكتفي بتقديم الأمن فقط، في حالة مصر وسوريا نسيت أن الأسعار في ارتفاع، ما جعل الاضطرابات متواصلة ولم تختف.
وخاطبت فلورنس الحضور، بالقول: "إنه خلال السنوات الثالثة تحدثنا عن الديمقراطية الليبرالية وهذا أمر جيد، وربما عليكم أن تبتدعوا نموذج آخر للديمقراطية العربية، مخالف للديمقراطية الأوروبية وغيرها".
واعتبرت أن برامج الأحزاب لا تعدو أن تكون قائمة تمنيات، وليس هناك برامج حقيقية وكيفية تحقيقها، حتى يكون الهدف واضح.
وخلصت إلى القول إن الأوروبيين ينظرون إلى العالم من وجهة نظر أوروبية من منطلق تجربة اندماج القارة الأوربية الذي أدى إلى السلام. نحن جيران ويمكن أن ننظر إلى العالم العربي، لكن لن نكون من يحدد الديمقراطية، ولا نستطيع القيام بشيء أكثر من المساعدة، لان الديمقراطية ربيع ينبغي أن يلد في الوطن العربي، وليس في أي منطقة أخرى.
الإصلاح متجدد والتغيير قد يؤدي للأسوء
اما الدكتور غازي صلاح الدين، رئيس حركة الإصلاح الآن السودانية، فتحدثت عن التجربة السودانية للتغيير وما يحدث الآن في السودان مع عودة الاعتقالات، قائلا إن هناك زيادة للوعي لدى الشعوب العربية للتغيير.
وحذر من أن "الدول التي تعيش انقاسامات داخلية، كانت صاحبة الأسوء من حصاد الربيع العربي، خاصة إن كانت تحت ضغط التدخل الأجنبي كما هو الحال في سوريا". كما أشار إلى العامل الاقتصادي والاستقرار الأمني الذي يهم الشعوب العربية، إلى جانب إحساسها أنهم كانوا صناع للحضارة، ينبغي أن يكونوا مؤهلين لإعادة هذه التجربة.
وخلص إلى أن التغيير لا مفر منه، والسودان ليس حالة مستثناة، وازدياد الوعي متواصل، ولذلك لا خلاص من الحال القائم إلى عبر الحوار الوطني، وهو ما توافق عليه القوى السياسية، لكنه يعاني من انتكاسات الآن، وتأخير هذا المسار عن بلوغ مداه هو غباء سياسي ممن يتولون الأمور، لأنه الفرصة الوحيدة لنخرج بالسودان إلى ناقع أفضل. أنا لست قلقا لأن الأشخاص والساسة زائلون، وسينتصر الحق والتغيير على الظلم.
وعن دعوته للإصلاح، قال إنه يفضل الإصلاح عن التغيير لأن الإصلاح قضية متجددة، وهو عملية مستمرة، بينما التغيير قد يؤدي إلى الأسوء، فنحن ندعو لتأسيس تعاقدي لبناء دولة محايدة وعادلة تقدم خدمات لمواطنيها دون تمييز.
مرحلة تحول عميق للأجيال العربية
في حين، أن شفيق غبرا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، قال إنه ينظر للثورات وحركة الاحتجاج كبداية لمرحلة تاريخية طويلة، والأهم أنها تحمل أحلام لجيل عربي جديد يمثل الأغلبية السكانية، وهي مرحلة تمر بأطوار، والأسئلة التي أثارتها هذه الثورات عن الفساد والمشاركة والديمقراطية والحريات وعن الإنسان وعلاقة الجيوش بالدولة، وعلاقة الدين بالدولة ستظل مفتوحة على مصراعيها، ما يجعل هذه الحالة ستجدد نفسها باستمرار في إطار الإجابة على هذه الاسئلة.
وتحدث عن وجود حركات احتجاجية، وحركات إصلاحية لم تكن للثورة، لكن الأكيد أن الجيل الجديد ناقد للسلطة، وللأببوية، وللتعالي والفوقية، ولا يحب النظام السياسي الذي نشأ في كنفه، لأن النظام لم يمنحه الحريات وعامله بالقمع، بدليل ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي من دعوات للتمرد، فنحن أمام جيل جديد متمرد، وهذا الجيل سيكتسب نضجا ومعارف أعمق، وهو يعيش أكبر عملية تحول لم يعرفها أي جيل عربي، وهي الأعمق بين الأجيال العربية.
واعتبر الغبرا أن "الطاقة الراهنة للجيل الحالي ستفرز جيلا راديكاليا لا يريد أن يكون جزءا من السلطة أو المعارضة، بل إنه سيكون رقيبا لأي سلطة تأتي، وليس شرطا أن يكون جيلا عنيفا، مشدّدا على أن حاجز الخوف قد سقط، والجيل الحالي لن يعود إلى المنازل مهما كانت التهديدات، ولا بد من محاولة فهمه".
كما أشار إلى أن الجيش ليس حلا مثلما أبانته التجارب في الجزائر ودول أخرى، كما أن الأنظمة الملكية ليست مستثناة من حركة التغيير، منوها في الوقت ذاته إلى غياب المشهد الفلسطيني في النقاش".
وخلص أستاذ العلوم السياسية إلى القول إن هناك أربع قوى في الساحة العربية هي الدولة العميقة (الأسر الحاكمة والجيش والسلطة وغيرها)، وقوة إسلامية قائمة لا يمكن إلغاؤها، وقوى الليبرالية، وقوة الشباب، ولا يمكن لأي قوى أن تحتكر أخرى أو تقصيها.