من اليمين: بشير نافع، طه أوزهان، فهد العرابي الحارثي، وعن طريق الأقمار الصناعية ​أندريه فيدوروف (الجزيرة)

أكد خبراء وسياسيون مشاركون فى منتدى الجزيرة العاشر خلال اليوم الثاني أن الدول العربية بحاجة إلى مشروع عربي حقيقي لمواجهة مخططات التقسيم والتفتيت التى تتعرض لها بعض بلدان المنطقة.  

وقال المتحدثون، فى الجلسة الحوارية الثانية بعنوان "التدافع الدولي على الشرق الأوسط بعد 100 عام على سايكس-بيكو"، والتي شارك فيها الدكتور بشير نافع أستاذ التاريخ المعاصر وباحث أول بمركز الجزيرة للدراسات ، وطه أوزهان رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان التركي، وأندريه فيدوروف نائب وزير الخارجية الروسي السابق، والدكتور فهد العرابي الحارثي رئيس مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام، إنه لا يجب الاستهانة بمشروع التقسيم الذي تتعرض له بعض دول المنطقة؛ مشيرين إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية يُعدُّ أحد علامات هذا المشروع بعد أن أصبح قتاله ذريعة لأي تدخل خارجي بالمنطقة.

نافع: اتفاقية سايكس-بيكو زرعت التقسيم في المنطقة

قال بشير نافع، أستاذ التاريخ المعاصر، إن سايكس-بيكو اسم رمزي لتقسيم العالم العربي، مشيرًا إلى أن تلك الاتفاقية لم تكن الوحيدة في هذا الصدد بعد الحرب العالمية الأولى؛ فقد كانت هناك ثلاث اتفاقيات تهدف إلى تقسيم العالم العربي وممتلكات الدولة العثمانية، مثل: اتفاقية القسطنطينية عام 1915، وفيها وافقت فرنسا وبريطانيا مع روسيا القيصرية على منحها مضيقي البوسفور والدردنيل والأراضي على الجانبين من المضايق، أما الاتفاقية الثانية فوقعت في لندن عام 1916 بين فرنسا وبريطانيا وتضمنت تقاسم البلدان العربية، والجزء الجنوبي من الأناضول. والاتفاقية الثالثة هي "سان جان جين دي مورين" ووقعت بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وتم التفاهم على منح روما منطقة الجنوب الغربي من الأناضول.

وأضاف بأن تلك الاتفاقيات الثلاث لم تطبق على أرض الواقع وانتهت في السياق التاريخي، وظهرت اتفاقيات أخرى بين فرنسا وبريطانيا لتقسيم العالم العربي وأهمها اتفاقية سايكس-بيكو، وهذه الاتفاقية وضعت بذرة وفكرة التقسيم. 

أوزوهان: الشمال مطالب بعقد سلام مع الجنوب

من جانبه ألقى طه أوزهان، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان التركي، الضوء على الهوة بين الشمال والجنوب فى النظام العالمي الجديد، لافتًا إلى أن النموذج الأكثر مرارة يتمثل فى الأزمة السورية فى ظل دعم بعض الدول لنظام الأسد على حساب الشعب السوري.   

وقال: إنه يجب على الشمال أن يعقد سلامًا مع الجنوب وإحداث نوع من التوازن الاقتصادي، وحذر من أن التهديدات سوف تأتي من الدول الضعيفة؛ فليس هناك أزمة أو حرب أهلية ستكون تداعياتها محدودة، بل سيمتد أثرها إلى العالم وطالب باستخدام نفوذ سياسي عادل والتدخل لحل الأزمات.  

وفى مداخلته عبر الأقمار الصناعية، أشار أندريه فيدوروف، نائب وزير الخارجية الروسي السابق، إلى أن ما يحدث في الشرق الأوسط هو خطوات تجاه تغيير عالمي بشكل جاد، "ويمكننا القول إن تلك المنطقة مصدر هذا التغيير؛ لأنها من أكثر المناطق تأثرًا وتأثيرًا". 

وأوضح أن هناك فاعلين دوليين يتصارعون على قيادة هذه المنطقة من العالم، ملمحًا إلى أن الوضع في سورية هو التحدي الحقيقي بالنسبة لروسيا؛ باعتبارها مفتاح المنطقة، فدمشق مهمة للغاية لصانع القرار الروسي، وترتقي إلى مصاف الشريك الأساسي في الشرق الأوسط.

وقال إن مشاركة القوات الروسية في سورية تهدف إلى حل محاربة تنظيم الدولة بصورة فاعلة؛ حيث يوجد 8 آلاف مقاتل من منطقة البلقان يشاركون في عمليات هذا التنظيم، وسوف يسببون مشكلات كثيرة لروسيا والدول المجاورة حال عودتهم، وبالتالي كان قرار التدخل حاسمًا من أجل تفادي مشكلات يمكن أن تحدث لروسيا مستقبلًا.

وأكد فيدوروف أن مستقبل بشار الأسد مهم لروسيا، فسورية هي الدولة الوحيدة حاليًا في الشرق الأوسط التي تعد منطقة نفوذ روسية، وقال: لو خسرنا سوريا فإننا سنخسر الشرق الأوسط كله، وعلى هذا الأساس كان لابد من دعم نظام بشار الأسد من جانب، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية من جانب آخر.

وأشار إلى أن الأطروحات الأخيرة حول تقسيم سورية فدراليًا لا تخدم مستقبلها، وسيجعل منها نموذجًا شبيهًا بيوغوسلافيا السابقة، وهذا ربما يقود إلى دمار سورية بشكل كامل، مشددًا على أن الحوار السياسي هو الأهم حاليًا وهو المخرج الوحيد أمام كل الأطراف من أجل الحفاظ على بلادهم وإنقاذها من خطر التقسيم. وأضاف بأن ما قام به الأكراد في محاولة الحصول على حكم ذاتي في سوريا سوف يؤدي إلى مشاكل كبيرة مستقبلية، فهم يقاتلون ضد تنظيم الدولة وفي نفس الوقت يريدون جزءًا من الكعكة.

وقال فيدوروف: إنه في حال فشلت جولة المفاوضات في جنيف بين النظام والمعارضة فإن سورية ستكون في موقف صعب، وربما ينتهي الحوار السوري-السوري إلى الأبد. ولفت إلى أن القوات الروسية انسحبت من سورية، لكن الكرملين لن يترك سورية سياسيًّا، والقوات جاهزة للعودة في أية لحظة، ملمحًا إلى أن الوجود العسكري الروسي لم يكن ليستمر إلى الأبد. وأعرب عن أمله في حدوث توافق بين روسيا والولايات المتحدة فيما يخص سورية. 

ونوه إلى أن بلاده تعمل حاليًا على منع حدوث مواجهة بين إيران والمملكة العربية السعودية، مشددًا على أن سورية جزء صغير من اللعبة السياسية والعسكرية في المنطقة. وأوضح بأن موسكو يمكن أن تلعب دورًا مهمًّا وفاعلًا في منطقة الشرق الأوسط، واستبعد حدوث تقارب مع تركيا في المستقبل القريب.

الحارثي: تنظيم الدولة مشروع لتقسيم وتفتيت المنطقة 

من جانبه، أكد فهد العرابي الحارثي، رئيس مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام، أن الأجواء التى تعيشها المنطقة العربية تشير إلى وجود العديد من المؤامرات وليست مؤامرة واحده. وقال: إننى أميل إلى الآراء التى تقول بأن تنظيم الدولة صنيعة للاستخبارات الأميركية؛ متسائلًا كيف يمكن أن يظهر هذا التنظيم فجأة دون أن تستطيع الأقمار الصناعية وأجهزة الاستخبارات الأميركية رصد جحافل العربات والأسلحة التى ينقلونها من مكان إلى مكان، كما يعجز تحالف دولي من 60 دولة بقيادة الولايات المتحدة منذ ثلاث سنوات عن تحجيم قوة داعش التي تنتشر فى كل مكان وصولًا إلى ليبيا ودول إفريقية. 

وقال الحارثي: إن داعش هي الغطاء الحقيقي الذي أراده العالم لكي يمرر مشروع التقسيم والتفتيت للمنطقة، وإن قتاله أصبح ذريعة لكل من يريد التدخل في منطقتنا؛ لافتًا إلى وجود مشروع تم إقراره بالكونجرس الأميركي يتحدث عن تقسيم 5 دول عربية إلى 14 دولة. وشدد على أن داعش مبرر للأمريكان ليس فقط لتجارة الأسلحة فى المنطقة وإنزال الرعب على دولها، بل للمصالح والمشاريع الغربية المستقبلية فيها. 

وعقَّب على مداخلة نائب وزير الخارجية الروسي السابق، الذي أكد أن موسكو لن تتخلى عن الرئيس بشار الأسد، قائلًا: إننا ندرك أن هناك مصالح روسية، لكن ليس بهذه الفجاجة التي تؤكد على بقاء الأسد دون الالتفات إلى سورية وشعبها. وشدد على ضرورة البناء على المشروع الذي بدأته المملكة العربية السعودية فى عاصفة الحزم والتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب وتحالف رعد الشمال لوضع تصور جديد لمستقبل المنطقة عبر مشروع عربي حقيقي يضمن إعادة هذه الأمة إلى رشدها.