من اليمين: محمد المختار الشنقيطي، عبد الوهاب بدرخان، وضاح خنفر، شفيق الغبرا (الجزيرة)

تواصلت أعمال منتدى الجزيرة العاشر بعقد جلسة حوارية ثالثة بعنوان "إلى أين يتجه الشرق الأوسط؟"، تحدث فيها كل من شفيق الغبرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، ووضاح خنفر رئيس منتدى الشرق، والكاتب والمحلل السياسي عبد الوهاب بدرخان، ومحمد المختار الشنقيطي أستاذ الأخلاق السياسية بكلية قطر للدراسات الإسلامية.

الغبرا: نحتاج لمشروع يجتذب الشباب الحالم بالتغيير

في كلمته، حاول شفيق الغبرا تسليط الضوء على أزمات المنطقة العربية، محاولًا اقتراح حلول للخروج من الحالة الراهنة التي دعا إلى تحديها من خلال "حلم عربي جديد يستشرف المستقبل".

وقال: إن الراهن السوري يُلخِّص الحالة العربية المتأزمة التي نعيشها، معتبرًا أن سورية ليست الوحيدة المعرضة للتفكُّك والتقسيم، بل إن مسألة التفكُّك مستمرة، ولا يكاد بلد عربي يخرج من أزمته إلا ودارت الدائرة على طرف آخر ضمن حلقة متواصلة من التأزم. وأشار إلى أن المنطقة العربية تعيش في محنة، وأن العرب محاصرون في الداخل لأسباب متعددة، منها غياب العدالة والحرية والديمقراطية والحقوق، ومحاصرون أيضًا من الخارج بفعل صراعات تمزِّق الأمة، كما هو الشأن مع الكيان الصهيوني.

وأوضح أن بالإمكان تفادي حالة التطرف الراهنة لو أن الدول استحضرت في أوقات السلم قضايا التنمية بدل تغليب المعالجات الأمنية، التي تصدُّ عن أي رؤية بعيدة المدى نحو تغيير شامل للأوضاع، لافتًا إلى أن الحالة العربية تمر بظروف معقدة؛ إذ يوجد اليوم آلاف الشباب العرب في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية يقاتلون إلى جانبه بفعل ممارسات السلطة ووأدها لأحلام أولئك الشباب. واعتبر أن المواجهة مع تنظيم الدولة تستنزف النظام العربي سواء في سورية أو العراق وغيرهما، وتفتح جميع الجبهات، نظرًا لغياب البدائل، وهذا ما يخدم تنظيم داعش ويجعله صامدًا في معركته التي يخوضها هو أيضًا على أكثر من صعيد.

وبشأن دعاوى التقسيم التي تهدد المنطقة العربية، قال الغبرا: إن تغيير الخرائط ممكن لكنه محدود، سواء تعلق الأمر بالعراق أو اليمن، بحسب حالة كل دولة وواقعها، فالتقسيم ليس واقعًا والخرائط القديمة لا تزال صامدة في بعض الدول، لكن المخيف في الأمر أنه لا نهاية قريبة للحروب الراهنة، ولا شيء سيعود كما كان عليه من قبل، فالوعاء العربي قد انكسر، بسبب جموده وركاكته، ولن يُفلح أحد في إعادة بنائه دون شراكة وبناء المؤسسات التي تقطع مع ممارسات الماضي. 

ولفت الغبرا إلى أن ما حدث في السنوات السابقة، كان صراع مشاريع، واليوم الكرة في ميدان العرب من أجل بلورة مشروع جاد للوصول إلى أفئدة الشباب الحالم بالتغيير، مشروع يمتلك تحقيق الزخم الذي لن تستطيع داعش أو غيرها استنزافه.

وتساءل الغبرا: "من أين نبدأ"؟ ليجيب بأن المبتدأ يكون عبر الحوار والنقاش المفتوح ومواجهة الرأي بالرأي الآخر، عوض الصراع، قائلًا: إن التاريخ يؤكد لنا أن الاستبداد قد أضعفنا في مواجهة المشروع الصهيوني، وبالتالي علينا تدارك ما تبقى أملًا في المستقبل. واعتبر أن الاقصاء الأيديولوجي سيعزز مشهد الانهيار، ولابد من فك القيود لاستعادة الجمهور العربي بعد أن أصبحت دماؤه مستباحة في أكثر من مكان، وقال: "لا بد من إعمال الخيال العربي لاستعادة وحدة الصف". 

وقال الغبرا إن الذي سمح بوجود داعش، كان يحمل من الخيال ما لا يتحمله منطق، مثلما وُلد المشروع الصهيوني من رحم الخيال في وقت سابق، وإذا كانت الظاهرة الداعشية ظاهرة عابرة للقارات، فما الذي يمنع الديمقراطية والعدالة والمشروع النهضوي أن يكون مشروعًا قابلًا للتنزيل على أرض الواقع، وعابرًا للأقاليم وبديلًا عن لغة التخوين. وختم الغبرا كلمته بالقول: "نحن أحوج ما نكون للخيال العربي؛ لأن غياب المشروع العربي مدعاة لمزيد من الأزمات".

وردًّا على أسئلة الحضور بشأن تراجع مشاركة الشباب، واتجاه بعضهم للتطرف، قال الغبرا إن هناك إشكالية تواجه الشباب من حيث القدرة على التنظيم والتأثير، ومن المستحيل العودة إلى ما كان قائمًا قبل انطلاق الثورات عام 2011، ولن يعود الشباب العربي إلى البيوت، وسوف تجذبه مشاريع أخرى بينها التطرف والإرهاب. وشدد على ضرورة دعوة الشباب إلى مشروع ديمقراطي، وإلا سيكون التطرف أكثر سوءًا، كما أن غياب التعبير السلمي سوف يؤدى إلى جر الشباب إلى العنف والتطرف.

خنفر: المستقبل لن يكون بأيديولوجيا الماضي وصرامته 

استهل وضاح خنفر، رئيس منتدى الشرق، مداخلته بالقول إنه لا يؤمن بفكرة نهاية التاريخ في السياسة، وهي الفكرة التي روَّج لها مفكرون على مدى عقدين من الزمن، كما أنه لا يؤمن بنهاية التاريخ. وفي هذا السياق، لا يمكن لأحد أن يلوم خمس سنوات من عمر الربيع العربي وما جاءت به، معتبرًا إياه تطورًا طبيعيًّا حتميًّا متصلًا غير منفصل، لا يمكن الانحناء له، أو الانفكاك عنه.

وأضاف: "نحن نعيش دورة تاريخية حضارية لم تبدأ في عام 2011، ولا في عام 1948 إثر احتلال فلسطين، ولا بعد اتفاقية سايكس-بيكو، بل نحن ندور في صراع معين له حيثياته السياسية والاقتصادية والثقافية، فـ"سايكس-بيكو" كانت معلمًا أساسيًّا في هذه الدورة، والحروب القومية العربية والاستقلال العربي والإسلام السياسي كانت أيضًا معالم هذه الدورة، ومحطات لا يمكن تغافلها؛ لأنها حدثت. 

ونبَّه خنفر إلى أهمية التصالح مع الماضي، لكن ليس بالضرورة تمجيده؛ "لأننا نسير في مسار جديد، نختلف في اسمه، لكنه ليس بداية التاريخ ولا نهايته". وقال: إننا وصلنا اليوم إلى محطة بات الشارع هو محورها، وهي تبرز أن الإنسان لم يعد كما كان في السابق؛ لأن هناك فكرًا ورؤى جديدة تتشكَّل، وشعورًا غامرًا لدى الفرد بأنه يمتلك السلطة، وكل واحد يحس بأنه قادر على أن يعبِّر عن رأيه، في ظل تراجع الأشكال الهرمية في التعبير التي سيطرت على فكرنا السياسي والاجتماعي سابقًا، وهذا يبرز أن التواصل الأفقي يمكن أن يؤتي أُكُله أكثر من الهياكل الهرمية، فالقديم ينهار ولابد من جديد يخلفه، ولا يجب أن نتمسك به ونبكي على أطلاله. وأشار إلى أنه يجب السير إلى المستقبل، والتخفيف من آلام الانتقال، وهذا مسار طبيعي، حتى لا نفقد توازننا نحو المستقبل. 

وبشأن الأوضاع الحالية وما تعانيه المنطقة العربية من اضطراب، قال خنفر: إن ما يحدث اليوم حالة طبيعية في سياق الحراك الذي يعيشه الشرق الأوسط، لكنه لا يؤدي دوره الاستراتيجي؛ لأنه ضعيف، وجيناته ليست قادرة على تخيل المستقبل فكريًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، جينات ليس لديها خيال للمستقبل. ونبَّه إلى أنه "لا يمكننا أن نتغير سياسيًّا ما لم نتغير فكريًّا، والقادم لن يكون بأيديولوجيا الماضي وصرامته...فمصلحتنا تكمن في إرساء قيم مشتركة رحبة وواسعة عنوانها: الانتماء إلى اللحظة والمستقبل".

ونوه خنفر إلى أن أهم الدروس المستفادة من الحرب العالمية الثانية رغم بشاعتها وحجم الدمار الذي أحدثته، أنه تم إعلان خطة مارشال عقب الحرب بعام واحد، وكان هدفها الاستراتيجي إنشاء منظومة أوروبية موحدة في الوقت الذي كانت فيه عواصم أوروبية مدمرة بصورة شبه كاملة. وأكد "أننا سنصل إلى قناعة أنه مهما تصارعنا فإننا لابد أن نتعايش معًا في إطار نظام عالمي ليس طائفيًّا أو أيديولوجيًّا أو قوميًّا". 

بدرخان: نحتاج لمراجعات النخبة العربية 

حاول الكاتب والمحلل السياسي عبد الوهاب بدرخان توصيف الحالة الراهنة التي تعيشها المنطقة العربية، وقال إنها تعيش مرحلة اضطراب، لا يمكن معها وضع أي تصور للمستقبل؛ لأن مجريات الأحداث تمر بمعوقات عدة، منها استحالة بقاء الكيانات الوطنية كما كانت، واستحالة بقاء المجتمعات على حالها، واستحالة الحفاظ على الأمن الداخلي وحالة الاستقرار.

وقال: إننا أمام هذا الوضع الراهن عربيًّا، تطرح أسئلة حول التدخل الخارجي، وكيفية معالجة الانقسامات الداخلية، وأي ترتيبات أمنية أو عسكرية ممكنة لم يعد المجتمع الدولي أصلًا متحمِّسًا لها، بسبب تداخلها مع قضايا الإرهاب، وكل هذا يجعلنا نشعر بمخاطر التقسيم والتفكيك لدولنا أكثر من أي وقت.

أما إقليميًّا، فلاحظ أن تركيا تواجه تحديات مقابل حفظ مصالحها، في وقت تفرض فيه إيران إرادتها، أما داخليًّا، فالجهد العربي سواء في اليمن وسورية أظهر عجزًا بيِّنًا. وقال: إن المجتمع الدولي لم يجد طرقًا لحلِّ الأزمات المتفجرة في المنطقة، بل تركها تطول بعيدًا عن بذل جهود نحو تحقيق التوافق، وفسح المجال للتطرف كما نرى في سورية وليبيا والعراق، وهذه الدول أبلغ مثال على تشخيص الراهن العربي.

ونبَّه بدرخان إلى أن العالم يتذرع بالإرهاب والتصدي لتنظيم الدولة من أجل التدخل في الدول العربية بكل يسر، ومن هذا المنطق تستحق أطروحات التقسيم التأمل فيها.

وشدد على أن بعض الدول العربية فقدت سلطة القرار، وما يجري بين الروس والأمريكان من تفاهمات حول مستقبل سورية لا يعتقد أنها ستكون في صالح الشعب السوري، والأمر نفسه في ليبيا؛ حيث فرضت حكومة على الشعب الليبي. أما العراق، فهو بين التواطؤ الإيراني-الأميركي، وسيظهر هذا جليًا في معركة الموصل المنتظرة أمام العالم أجمع.

ولفت بدرخان إلى أن التدخل العربي في اليمن أوقف هيمنة إيران على قرار الشعب اليمني، لكن شبه التقسيم قد يكون محورًا للتباحث بعد أن تضع الحرب أوزارها، وفي لبنان الذي تتجاذبه قوى دولية وإقليمية، لن يسلم من تداعيات ما يلحق بالجسم العربي.

وأعاد المتحدث التذكير بالقضية العربية الأولى، وهي القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الدول العربية لم تحقق من خلال هذه القضية مصالحها سواء في حالة السلم أو الحرب، فالظروف التي يمر بها الوطن العربي والمنطقة يظهر أنها تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.

وحذَّر من أن الضياع العربي في ازدياد؛ إذ "إننا لا نعيش عالمنا العربي وتاريخه؛ لأننا بحاجة لمراجعات نخبنا بكل ألوانها؛ لأن الأضواء كانت مسلطة عليها، والآمال كانت معقودة عليها، لكنها فشلت، ونحن جميعًا نتحمل مسؤولية هذا الفشل".

الشنقيطي: المنطقة العربية لم تنجح في إدارة الهويات المتعددة

قال محمد المختار الشنقيطي، أستاذ الأخلاق السياسية بكلية قطر للدراسات الإسلامية، إنه لا داعي للتشاؤم إذا نظرنا لأوضاعنا في سياق التاريخ، فلم تنتقل المجتمعات من الاستبداد إلى الحرية إلا بعد المرور بعملية تحلل ثم التركيب، ولسنا بدعة بين الأمم التي تمر بمرحلة انتقال وآلام.

وأكد أن التغيير مسألة وقت، والحروب الدائرة مُعَجِّلة بحركة الانتقال، لافتًا إلى عدد من النقاط حول الثورة العربية، والدور التركي والصحوة الأوروبية، والدور الإيراني والتنافس الأميركي-الروسي. وقال إن الثورات العربية في مفترق طرق، إما أن تسير الشعوب إلى مصالحة مع الذات، أو الإصلاح الوقائي وخلق التلاقي بين الحكام والمحكومين، مؤكدًا أن الصورة ليست قاتمة في ظل وجود نموذج مثل النموذج التونسي.

وعن تركيا، قال إنها نواة صلبة في هذه الأمة ودولة قوية تعيش تطورًا ومسارًا تاريخيًّا جديدًا، لافتًا إلى أن المساعي الحالية لإغلاق البوابة العربية بمد شريط كردي على الحدود التركية، هي مساع مضرة بتركيا والعالم العربي. 

وفي ما يتعلق بالصحوة الأوروبية، أكد أنه يجب على أوروبا أن تدرك المصير المشترك مع الربيع العربي؛ باعتباره ظاهرة متوسطية، وأن حرية وازدهار جنوب المتوسط جزء لا يتجزأ من حرية وازدهار الشمال.

وحول اللاعبين الإقليمين والدوليين، كإيران وروسيا وأمريكا، قال الشنقيطي: إن إيران امتلأت بالغرور الإمبراطوري والتوسع الأحمق، وإن على أميركا وروسيا إدراك أن الحريق حين يمتد، فإنه سيصيب الجميع.

وأشار إلى أن من مآلات هذه المنطقة انحسار الثورة المضادة، وبداية الإصلاح السياسي، وتحول الظاهرة الجهادية من المحلية إلى العالمية، وسيكون تنظيم "داعش" أشرس من القاعدة، بحكم ما يملكه من جنسيات غربية خاصة.

وقال: إن التقارب العربي-التركي سوف يتعمق، وسيكون له دور إيجابي كبير، ولابد من معالجة الذات، ومعالجة مسألة انشطار الذات بين سني وشيعي، أو علماني وإسلامي؛ لأن منطقتنا لم تنجح في إدارة الهويات المتعددة، واختزلت الإنسان في بعد واحد.