عزا الدكتور خوان كول، أستاذ التاريخ بجامعة ميتشغان، ظهور الصراعات إلى التغيرات المناخية ومنها ارتفاع درجة الحرارة وازدياد الجفاف في بعض المناطق في العالم العربي، ومنها: سوريا والعراق، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي ظهرت في عام 2008، وتحوُّل هذه الدول من النظام الاشتراكي إلى اقتصاد السوق المفتوحة، ورفع الدولة دعمها عن كثير من الخدمات كالتعليم؛ مما وسَّع من شريحة الفقراء. ورأى أن هذه الظواهر كانت من الأسباب التي أدت إلى الثورات في المنطقة.

أما الدكتورة لينا الخطيب، مديرة مركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط ببيروت، فوصفت الطائفية بأنها جزء من المشكلة ولكنها ليست جوهرها. واعتبرت أن "الخطر يكمن في محاولة تطبيق النوذج اللبناني في الدول التي تشهد طائفية كما حصل  في العراق".

وفي رأي المتحدثة لم تكن في سوريا مشكلة طائفية ولكن النظام سعى لها ليقدِّم نفسه حاميًا للأقليات في البلد. أما داعش فقدمت نفسها حامية لطائفة السُّنَّة ولذلك من مصلحة كلٍّ من داعش والأسد استمرار الصراع.

كما اعتبرت أن التنافس السعودي-الإيراني كان هو الآخر سببًا في وجود صراع أدَّى إلى تقسيم الولاءات في المنطقة بين سُنِّي وشيعي. أمَّا عن اليمن فأشارت الباحثة إلى أن الحوثيين "ليسوا ممثلين لإيران ولكنهم متعاونون معها"، ورأت أن "الصِّراع في اليمن هو نتيجة أخطاء داخلية وإقليمية".

وطرحت الباحثة عناصر عدَّة للعلاج كالمشاركة الكاملة لجميع فئات المجتمع والبحث عن سبل جديدة للحكم كالفيدرالية واللامركزية، التي "قد يكون من شأنها تجنيب المنطقة المزيد من الصراعات" على حدِّ قولها.

وفي مداخلته قال هيمن هورامي، رئيس مكتب العلاقات الخارجية بالحزب الديمقراطي الكردستاني: "نحن كأكراد لدينا تمثيل في الحكومة العراقية لكنه ليس تقاسمًا للسلطة".

وتطرَّق لعمليات الانتقام التي تحدث حاليًا في العراق؛ فقال: إن مجزرة حلبجة في 1988 لم تعقبها عمليات انتقام للجنود العراقيين ممن سقطوا بأيدي الأكراد لكن الانتقام هو السائد بعد عام 2003، وتساءل عن الهوية العراقية: أين هي؟ معتبرًا أنه ليس هناك هُويَّة عراقية بل هوية شيعية وهوية سنِّية وأخرى كردية.

كما أرجع حالة الفشل في العراق إلى وقوع مناطق تحت سيطرة داعش، وأشار إلى أن هذا التنظيم لديه أموال طائلة وقد افتتح قبل أيام فندقًا ذا خمسة نجوم في مدينة الموصل. ومن الأسباب الأخرى أن الحكومة ليست وحدها التي تهيمن على السلطة بل الميليشيات فهناك 48 ميليشيا في بغداد وحدها، حسب قوله.

وأشار هورامي إلى الاستقطاب الجيوسياسي والطائفي في عموم الشرق الأوسط، مُعتبِرًا أن العراق بلد منقسم إلى مناطق سُنِّية وشيعية وكردية وأنه بدون هزيمة داعش لن يحدث التطور والتنمية في العراق وسوريا، متسائلًا: هل يتم هزيمتها من خلال الميليشيات أم القوات الوطنية؟ وختم بالقول: لابد من صيغة جديدة للتعايش السلمي.

أمَّا مها عزام، رئيسة المجلس الثوري المصري، فرأت في مداخلتها أن أسباب الصراع في منطقتنا تعود إلى فترة طويلة من الزمن عندما بدأ الكفاح من أجل الاستقلال والحقوق، واعتبرت أن ما نراه اليوم هو استمرار للكفاح، وذكرت أن الأنظمة التي جاءت بعد حروب الاستقلال فشلت في الاستجابة للحقوق السياسية.

وطالبت صُنَّاع القرار الدوليين، وإن كان من منظور المصالح وليس القيم، أن يعيدوا النظر في سياساتهم، مشيرة إلى وجود أحادية واستبداد في الأنظمة مثل نظام بشار الأسد في سوريا والسيسي في مصر.

وتابعت قائلة: كانت هناك موجات للتحرك، والآن هناك مؤشرات على وجود موجات أخرى قادمة حتى يتحقق التغيير ولكن بأية كلفة؟ وتساءلت مها عزام: هل يمكن ضمان أن تكون الكلفة أقل، في إشارة منها إلى ضحايا الرأي والمطالبين بالتغيير ممن قُتِلوا أو اعتُقِلوا أو سلبت حقوقوهم؟

اختُتِمت الجلسة بحديث عبد الوهاب الأفندي، وهو قارىء في الشأن السياسي بمركز دراسات الديمقراطية بجامعة وستمنستر، وقد قال: إن ما يثير فزعه هو أن الكثير من الأصوات والمفكِّرين العرب عندما يتحدثون عن الصراع في منطقتنا، سواء في العراق أو سوريا أو اليمن أو ليبيا، لا يُعيرون الضحايا اهتمامًا وكأن هؤلاء ليسوا من البشر، وضرب مثلًا بضحايا الحرب في سوريا، مشيرًا إلى وجود تغييب كامل وتجاهل للآخر مثلما أن هناك تغييبًا للضحايا والدمار. وذكر أنه شارك في دراسة جماعية وجدت أن القاسم المشترك فيما يحدث من صراعات هو  خطاب إلغاء الآخر، وختم بجملة مفادها أن مشكلتنا في العالم العربي هي "التعايش مع القتل".