في اليوم الختامي لمنتدى الجزيرة التاسع تناولت الجلسة الختامية "الاستبداد ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي" ناقش فيها باحثون وبرلمانيون ورؤساء مراكز، آفاق الديمقراطية في العالم العربي، ومآلات الثورات العربية التي انطلقت 2011.
وأجمع هؤلاء على أن الانتقال الحاصل في العالم العربي يحتاج سنوات طويلة ليؤتي نتائجه أسوة بالثورات المشابهة التي شهدتها دول وأقاليم؛ فالانتقال في أوروبا استغرق قرنًا كاملًا، والصراع ضد الشيوعية تطلَّب 40 سنة من النضال، وبالتالي سيأخذ الوضع العربي سنوات طويلة تتطلب مزيدًا من الصبر والحكمة.
وفي هذا المجال قال محرر ميديل إيست، ديفيد هيرست: إن الوضع في العالم العربي يتطلب مزيدًا من الصبر، وحذَّر من الاعتماد على الاتحاد الأوروبي الذي يعاني من مشاكل كثيرة نتجت عن حرب أوكرانيا، كما يعاني من الهجرة غير الشرعية، مما يؤكد أنه نموذج لا ينبغي لأية منطقة في العالم أن تحذو حذوه.
وذكَّر بأن الخلافات بين القوى السياسية العربية لا تختلف عن نظيرتها الأوروبية أيام الثورة الفرنسية وانتقال أوروبا إلى الديمقراطية؛ ففي البداية جرى اتحاد بين الليبراليين واليساريين شكَّل ما يُسمَّى بالديمقراطية، لكن بعد ترسُّخ الديمقراطية بدأت نفس التيارات تتصارع فيما بينها، فالماركسيون يرون أن الليبراليين سرقوا منهم قيمهم وأهدافهم، والليبراليون يرون أن الماركسيين سرقوا منهم ديمقراطيتهم.
وأضاف يقول: لا أعتقد أن الربيع العربي مات، بل على العكس من ذلك فإن العالم العربي يشهد ثورة حقيقية لا تختلف عن الثورة الفرنسية والبلشفية، وما نراه اليوم من تعثر ناتج عن عدم دعم القوى العظمى للثورة العربية، فأميركا وروسيا في تراجع كبير.
وفي نهاية المطاف ندرك جميعًا أن بقاء الوضع على ما هو عليه غير معقول، فسيحدث التغيير في مصر عاجلًا أو آجلًا، والأوضاع في دول المنطقة الكبرى ستتغير إلى الأفضل بفضل الربيع العربي.
أما وزيرة الدولة لشؤون التخطيط والتنمية السابقة وعضو مجلس الأمة الكويتي، رولا دشتي، فقد طالبت بأن تُراجعَ قوى التغيير في العالم العربي مسارها، وتعلم أن النزول للشوارع وبعث الدعوات الطائفية والاعتماد على القبيلة والأسرة لا تخدم ثورة ولا تبني وطنًا.
وأضافت: إن المشهد السياسي الكويتي فيه كثير من الديناميكية، وقد بدأت هذه الديناميكية قبل بداية الربيع العربي، عندما طالب البرلمان الكويتي بإقالة رئيس الوزراء، وهذا نابع من ثقافة الشعب الكويتي وحريته التي دفعت الشباب الكويتي إلى المطالبة بالتغيير.
ولفتت إلى أن ما يُحزن هو أن قوى خارجية وتيارات سياسية دخلت على الخط وأربكت المشهد الكويتي بعدما اعتقد الشباب الكويتي أن التغيير لا يمكن أن يتم إلا عن طريق النزول للشارع، وهذا يتنافى مع مصلحة البلد؛ فقد تفكَّك مفهوم المواطنة على حساب تفتيت المجتمع وإعادته إلى التقوقع خلف الطائفة أو القبيلة والأسرة. وأقول لجميع النشطاء السياسيين: كفى عبثًا، فلا يمكن أن نبني مجتمعات حرَّة ديمقراطية ودولة مواطنة ونحن نسير خلف القبيلة والطائفة.
أتمنى أن أشاهد انتخابات قائمة على بناء وطن وليس كسبًا رخيصًا ودغدغة مشاعر مواطنين بسطاء، فمستقبل الديمقراطية مستقبل واعد إذا ما مُنح الشباب الفرصة لقيادة الحراك الديمقراطي بعيدًا عن القوى التقليدية في المجتمع، فالشعارات الدينية والطائفية لا تُطعم جائعًا ولا تبني وطنًا.
بدوره، أكَّد عضو حزب الحرية والعدالة في مصر، الدكتور جمال حشمت، أن الثوار في العالم العربي قارعوا الظلم الماثل أمام الجميع، والذي جعل هذا المنتدى لا يوجد به اليوم صحفي أو ناشط سياسي هو أن جميع هؤلاء الأحرار هم في السجون، فمصر اليوم عبارة عن سجن كبير.
وأكَّد أن الإخوان المسلمين والتيارات الثورية لا تريد الانفراد بالقرار في مصر، بل تسعى إلى منح الحرية للجميع، وهم يتمثَّلون ما قاله القائد المسلم للقائد الفارسي رستم: "جئناكم لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد".
فالظلم هو الذي يولِّد الإرهاب، وما تقوم به السلطة المستبدة من استحلال كل شيء في سبيل هدفها المدمِّر هو ما يؤدي إلى خراب ودمار الأوطان، وقضيتنا في مصر هي قضية الحرية التي خُلِق الإنسان من أجلها.
ولَفَتَ إلى أن دولة محمد على هي التي أسَّست للاستبداد في مصر لأنه جعل الدولة هي كل شيء، وعطَّل مرافق الدولة، فقد خان من منحه الشرعية، ونفس الشيء قام به السيسي مع نفس الجهات السياسية التي منحته الشرعية.
وانتقد حشمت الأوضاع في العالم العربي وفي مصر بالذات، مذكِّرًا بأن القضاء والإعلام فيها تحوَّلا إلى أدوات لقمع الثوار وقتل المواطنين لما يقوم به الإعلام من تحريض، وما يقوم به القضاء من تلفيق للتهم وإصدار أحكام جعلت منه أضحوكة.
من جهتها، أوضحت النائبة البرلمانية التونسية، محرزية العبيدي، المصاعب التي واجهتها الثورات العربية، خصوصًا التونسية منها مؤكِّدة أن ثورات أوروبا الشرقية وجدت في الاتحاد الأوروبي دعمًا حقيقيًّا لها، بينما تكالبت دول الإقليم وقوى عالمية على إجهاض الثورات العربية.
وأضافت: إن نجاح التجربة التونسية ناتج عن عدم وجود تمايز وطوائف في تونس ساعد على نجاح ثورتها، بالإضافة إلى أن المعارضة التونسية واجهت نظام ابن علي بمختلف توجهاتها الفكرية لوجود أرضية مشتركة بينها أكَّدت أن كل التونسيين كانوا يسعون جميعًا إلى الخلاص من الظلم والاستبداد.
أمَّا مدير مركز بروكنجز الدوحة، الدكتور سلمان الشيخ، فقد قال: إن العالم أجمع يشهد انتقالًا، وليس العالم العربي وحده، فأميركا القوى العظمى في العالم تشهد تراجعًا كبيرًا، وبدأ نفوذها ينحسر من هذه المنطقة.
وعلينا أن نتذكر أن عملية الانتقال غالبًا ما تكون فوضوية وصعبة، وسيستمر الوضع في العالم العربي على هذا النحو المربك زمنًا طويلًا، لكن علينا أن نعي جيدًا أن الشعوب لن تتراجع، فنحن نرى ميلاد تاريخ عربي جديد؛ ففي أوروبا استمر الوضع قرنًا كاملًا لكي تنتقل إلى الديمقراطية، والصراع ضد الشيوعية تطلب 40 سنة، وهذا ما يجب أن ننتبه له، والوضع العربي ليس استثناء، وما يهمنا هو التأكيد على أنه لابد من تغير العلاقة بين المواطن والدولة في هذا الجزء من العالم.
ومن المؤسف أن نرى الرؤساء والأنظمة التي ثارت الشعوب ضدهم يعودون ليُسهموا في إرباك المشهد في اليمن وليبيا ومصر، ولم نكن نتصور أن يغضَّ المجتمع الدولي الطرف عن الأسد ولا أن يجد من يدعمه، فقد آن الأوان لأن نتخلص من عصابة الأسد وبطشه، ومدِّ يد العون إلى الشعب السوري لينال حريته التي خرج من أجلها.
وانتقد سلمان الشيخ صمت العالم عن جرائم بشار الأسد وقتله لعشرات الآلاف من شعبه بالأسلحة المحرَّمة دوليًّا. ففي الوقت الذي يمتلك فيه العالم من القوة ما يستطيع به حماية السوريين ووضع نهاية لحكم الأسد رأينا هذا النظام يواصل جرائمه دون خوف، وأشار إلى أن الأشهر التسعة القادمة ستكون حاسمة في سوريا، وستشهد تغيرًا مهمًّا.