استهل وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي كلمته في افتتاح منتدى الجزيرة العاشر بالحديث عن قناة الجزيرة التي اعتبرها تجربة عربية ناجحة استطاعت أن تُحدِث تحولًا في الوطن العربي، "ومن ثمارها أننا اليوم نحضر هذا المنتدى، وما أحوجنا للحوار في هذه اللحظة التاريخية؛ فبعد 100 عام من اتفاقية سايكس-بيكو ندخل في تجربة تَمَزُّق جديدة، وصُنع كيانات طائفية ومذهبية، حتى أصبح طموحنا الآن الحفاظ على حدود الدولة الوطنية التي جاءت بها الاتفاقية".
الاستبداد الداخلي والخارجي
وقال إن المنطقة تعاني بسبب زرع الكيان الإسرائيلي بعد سايكس-بيكو، كما أن استمرار هذا الكيان لا يزال هو السبب في ما تعيشه المنطقة، وقد يؤدي إلى تمزيقها، مبديًا تحفظه من كلمة الشرق الأوسط التي تجعل في نظره وجود الكيان الإسرائيلي، الغريب وسط الأمة، أمرًا واقعًا، بينما هو كيان عنصري يقوم على أساس الدِّين، رغم ادعائه للديمقراطية. واعتبر أن هذ الكيان لا يزال يعيش مأزقه التاريخي بوصفه كيانًا غريبًا احتلَّ أرض شعب وأمة واحدة متعددة ومتنوِّعة، وهو كيان عنصري، ليس من نسيج هذه الأمة، وانتقل من دولة ديمقراطية إلى دولة يهودية.
وأشار المخلافي إلى "أننا نحن في المنطقة العربية وطن عربي متنوِّع، تجمع بيننا قواسم مشتركة عديدة، زُرع فيها كيان غاصب. يقول الغرب: إن هذه المنطقة شرق أوسط، بتعدُّداتها المذهبية بين الشِّيعة والسُّنَّة ومختلف الأقليات التي منها اليهود. وهذا هو مربط الفرس في تلك التسمية المضلِّلة: جعْل وجود اليهود في المنطقة شرعيًّا أو على الأقل ممكنًا". وأضاف: أن هذا هو الوضع بعد 100 عام من تمزيق الأمة، وأن الاستبداد الداخلي هو أساس الاستبداد الخارجي، والإقصاء مدخل لخلق الفتن المذهبية والطائفية والقَبَلية، والعُنف يولِّد العنف، ولو كان العنف من طرف السلطة فإنه، حتى لو كان مشروعًا، سيولِّد عنفًا من قبل الجماعات، ونحن أمام واقع عربي لا نعرفه ولكن كثير منه مطروح أمامنا.
وأوضح أن احتلال العراق وتدميره وتشتيت جيشه، كان مدخلًا لضرب الدولة الوطنية، مؤكدًا أن فكرة الحفاظ على الدولة الوطنية يجب أن تبدأ الآن، وتكون المصالحة بين الجميع: الإسلاميين والقوميين وغيرهم. هذه المصالحة ضرورية، رغم أن هذه الدولة وُصِفت بأنها مصطنعة، وهذا يحتاج إلى إزالة السمات التي حكمت هذا الوصف، ومنها أنها كانت:
- انعزالية تجاه محيطها العربي.
- قمعية تجاه الداخل.
- تَبَعية لحماية القمع والانعزال.
التدخل الإيراني في اليمن
وقال المخلافي: إن نموذج اليمن الذي كان من أكثر الدول العربية انسجامًا؛ حيث لا توجد فيه أقليات مذهبية أو مساجد منفصلة بين الزيدية والشافعية، لكن المشكلة سياسية في الحقيقة، وقد أُدخِل اليمن في صراع طائفي، ونزاعات إقليمية كإيران التي كان تدخلها سيئًا للغاية في اليمن.
ونبَّه إلى أنه بعد مجيئ الربيع العربي، كانت ثورة اليمن سلمية، بل من أكثر الثورات سلمية في الوطن العربي، ضد نظام علي عبد الله صالح الاستبدادي، شارك فيها كل الأطياف من الشباب إلى المرأة اليمنية وشملت كل المدن، حتى لا تُستَغل بوصفها تمردًا.
وقال: كانت الثورة اليمنية تدرك أن الانتقال إلى مرحلة ديمقراطية تقتضي تسوية بمعناها التاريخي، أي أنْ لا يُقصَى أيُّ طرف، ضمانًا للاستقرار، ونحن الآن نحتاج إلى تسوية تاريخية ونتعايش للوصول إلى الديمقراطية، حتى علي عبد الله صالح مُنِح حصانة، بموجب المبادرة الخليجية، وبدأ حوار وطني غير مسبوق بمشاركة جميع الأطياف السياسية، لكن المحصلة كانت سلبية. وأشار إلى أن المخلوع، علي عبد الله صالح، كان يدير نظامًا استبداديًّا يوظِّف النزعة القبلية في توزيع المناصب الحكومية والعسكرية، ويعزف على الوتر القبلي بشكل واضح، فكان هذا سببًا للوضع الراهن.
وقال: إن نتائج الحوار أُنجز منها دستور، لكنه لم يعجب إيران وصالح فاحتلُّوا عمران وصنعاء، ودخلوا المدن اليمنية عن طريق الغزو، أي الانقلاب على الدولة وعلى المجتمع وفرض الإرادة، ثم جاء التحالف العربي ووقف مع اليمن، وهذا نتاج إرادة عربية في مواجهة إيران، وأحد مظاهر المواقف العربية الموحَّدة تجاه التدافع الإقليمي.
وأردف: الناس في اليمن رفضوا وَهْمَ سيطرة جماعة على السلطة، كما توهَّم الحوثي وصالح أن بإمكانهما السيطرة والعودة إلى الوضع السابق، لكن هذين مدعومان من قوة مسلحة، ونحن نرى أن الوهم لا يتحول إلى حقيقة ولو بالقوة المسلحة وإن كنا ندفع ثمن ذلك الوهم. ومع التحالف العربي وقوة الناس نرى هذا الوهم ينحسر ولم يعد يتقدم كما في البداية وسينتهي، ونحن نتحدث عن أن الحكومة اليمنية لم تختر الحرب، ولطالما حرصنا على إنهاء المرحلة الانتقالية بشكل سلمي.
وقال: نحن أُجبرنا على الحرب والدفاع عن أنفسنا ولهذا نحن مستعدون للذهاب إلى السلام، وذهبنا إلى جنيف للتفاوض، وحققنا أرضية لتبادل الثقة، رغم أن الطرف الآخر لم يلتزم، وبعض الإعلام الغربي لم يَرَ هذا، ولم يَرَ ما يراه الانقلابيون على الأرض.
وقال: إن الموقف العربي موحَّد والمرجعيات واضحة في موضوع اليمن وهي تنفيذ قرارات مجلس الأمن، ونحن نتوقع موعدًا جديدًا لمحادثات السلام، ونحن مستعدون لها وسنحضرها والجميع سيكون له حضور في المرحلة المقبلة بمن فيهم الحوثيون. وفي كل الأحوال فإن الحوثيين سيكونون شركاء لنا في المرحلة المقبلة، بشرط وضع السلاح، وبرأينا لو وفَّرنا يومًا واحدًا من الحرب فهذا أفضل لليمن.
القضية الفلسطينية: المبدأ والمنتهى
وتساءل المخلافي: ما هو الوضع اليوم؟ في ظلِّ تشابه الأوضاع في البلدان العربية، نتمنى أن يحذو التحالف العربي في اليمن نفس الموقف تجاه المشاكل الأخرى، في سوريا وغيرها، رغم أن الآخرين قد أرادوا تحويل الربيع العربي إلى دم، ليقولوا لنا: لا تخرجوا بعد اليوم!
واعتبر وزير الخارجية اليمني، أن عدم اتخاذ قرار موحَّد سيجعلنا نندم ونقول: أُكِلنا يوم أُكل الثور الأبيض، ولابد أن نتوقف ويبدأ الفكر في تدارس الأسباب، ونحن نعتقد أن هذا لا يجب أن ينسينا قضية فلسطين، والتي طالما بقيت قائمة فمشاكل العرب ستبقى أيضًا قائمة، فلا بلد مستثنى مهما ادَّعى من حصانة، ويجب حلُّها حلًّا عادلًا.
وقال: نحن أمة لن تنقرض إن شاء الله، ولن تفقد هوية الوطن العربي، رغم أن الفرز اليوم أصبح على أساس طائفي، وهذه مرحلة عابرة وهي مرحلة إعادة تكوين، ونحن الآن مخيَّرون بين النهضة ونبذ الاستبداد وبين التمزق أكثر وخلق كيانات مقسمة، وصراعات طويلة.
ونبَّه إلى أن الثورات تخلق الاضطرابات لكنها تنتهي بالاستقرار الذي يتحقق عندما يدرك الجميع أنه لا يمكن ويجب ألا يُقصى أحد، فهذه الأمة، في رأيي، مكوَّنة من أغلبيتين كبيرتين: مُسلمة تضم العرب وغير العرب، وعربية تضم المسلمين وغير المسلمين، وإمكانية التعايش مرهونة بعدم الاستبداد.
وختم الوزير كلمته بأنه يجب ردُّ الاعتبار إلى القضية الفلسطينية، كما قال وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني؛ لأنها هي المبدأ والمنتهى، والحفاظ على الدولة الوطنية في إطار النظام العربي ووقف التدافع وتوحيد المواقف كما حدث في اليمن؛ إذ كان ثمة موقف خليجي وعربي واحد، يجب أن ينسحب أيضًا على باقي الملفات.