تعريف

تعيش منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات صراعات متعددة المظاهر والأسباب تتقاطع فيها أجندات إقليمية وأخرى دولية جعلت منها بؤرة عالمية متفجرة تلقي بتأثيراتها السلبية داخل المنطقة وخارجها على حد السواء. وقد فاقمت أزمة الخليج وحصار قطر منذ نحو سنتين من هذا الوضع، فضربت استقرار المنظومة الخليجية وهددت أمن دولها وجردتها من قدرتها على مواجهة التحديات الإقليمية ولعب دور مؤثر في محيطها. في هذا السياق المضطرب، جاءت حادثة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في تركيا فضاعفت من أسباب التوتر وفجرت أزمة أخرى استقطبت أنظار العالم، وهزت صورة المملكة العربية السعودية، وأعادت فتح ملفات الأزمات الإقليمية من جديد. فما بعد اغتيال خاشقجي لن يكون كما قبله، لا داخل المملكة ولا خارجها.

فحرب اليمن أكملت عامها الرابع دون أن يحقق التحالف، الذي بدأ عربيا وانتهي سعوديا – إماراتيا، أهدافه بدحر الحوثيين وإعادة الشرعية وتقليص التأثير الإيراني. لقد تحول اليمن في السنوات الأربع الماضية إلى ساحة حرب مفتوحة تُرتكب فيها أفظع الجرائم في حق اليمنيين دون حساب أو عقاب، حتى أضحى “أسوأ كارثة إنسانية في العالم”، على حد وصف الأمين العام للأمم المتحدة. إلى جانب ذلك، يوشك حصار قطر أن يدخل عامه الثالث دون تحقيق أي من أهداف الدول المحاصِرة. فلا قطر خضعت لمطالب رباعي الحصار فغيرت سلوكها، ولا المحاصرون أدركوا خطورة سياساتهم وآثارها السلبية على المنطقة وعلى دول مجلس التعاون.

لقد تراجع الدور السعودي بشكل ملحوظ في سياق تنافسه الإقليمي مع إيران وتركيا. ولم تعد المملكة ضامنا لأمن الخليج واستقراره، بل تحولت إلى مصدر للقلق وسببا لعدم الاستقرار. فمجلس التعاون يعيش حالة من العطالة والشلل شبه التام منذ بدأ حصار قطر، ولا يبدو أنه، في الأفق المنظور، سيعود إلى سالف نشاطه ويستعيد عافيته ويلعب نفس الدور “التكاملي” الذي كان يلعبه قبل الأزمة. إزاء هذا التباعد بين دول الخليج العربية، قرّرت بعض دول المنطقة الدخول في تحالفات جديدة خارج نطاق المجلس لاعتبارات أمنية وعسكرية واقتصادية. فأبْدت بعد الدول الانفتاح على إسرائيل بما يقترب من التطبيع غير المعلن فضلا عن حماسة بعض العواصم الخليجية لتعبيد الطريق أمام “صفقة القرن”، ما يجسّد مدى الارتباك الاستراتيجي الذي يعيشه العالم العربي ومنطقة الخليج تحديدا. وفي هذا السياق، قررت قطر الخروج من منظمة أوبيك والتركيز على خطة رفع صادراتها من الغاز الطبيعي السائل بنسبة الضعف في السنوات الست المقبلة.

على الضفة الأخرى من مياه الخليج، تظل إيران طرفا أساسيا في معادلة القوة في المنطقة، وتستمر في تطبيق سياسة التمدد الاستراتيجي وفي تعزيز قوتها العسكرية رغم العقوبات الأميركية على اقتصادها وشركاتها وتحويلاتها المالية. وأيا كانت الآثار التي ستتركها العقوبات على الاقتصاد الإيراني، فإن المؤكد أن القوة العسكرية الإيرانية ستكون أقل المتأثرين، في ظل سباق التسلح المفتوح الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط عامة ومنطقة الخليج خاصة لا سيما بعد حصار قطر. وهو سباق يجد مبرراته في اتساع دائرة غياب الثقة بين الدول الخليجية فيما بينها من جهة، وبينها وبين إيران من جهة أخرى. كما يجد مبرراته في سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه الشرق الأوسط التي ما فتئت تدفع باتجاه مواجهة خليجية مع إيران من ناحية، وتقارب خليجي مع إسرائيل من ناحية أخرى.