تناول أكاديميون وصحافيون استقصائيون التحديات التي تواجه الإعلام والصحافة الاستقصائية في الكشف عن الجريمة السياسية، مشيرين إلى سطوة الأنظمة الحاكمة على السياسات الإعلامية وتحول الصحافي إلى هدف وعدو تجب تصفيته في العالم العربي. وأشار المشاركون في الجلسة السادسة، بعنوان “الإعلام العربي والدولي في مواجهة الجريمة السياسية”، ضمن فعاليات منتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي ينعقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، إلى استهداف بعض الأنظمة الحاكمة للصحافيين ليس بالقتل فقط وإنما بحملات التشويه والقصص المختلقة وهو ما تم مع قناة الجزيرة وبعض صحافييها، مؤكدين أن الجزيرة كانت متميزة بالبحث عن الحقيقة بأسلوب استقصائي جذاب ومثير في قضية مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2019.
قال هاشم حسن، عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد: إنه لا يوجد توصيف للجريمة السياسية في التشريعات العربية إلا من الناحية الجنائية منوهًا بأن الصحافي في الجريمة السياسية يكون هو المتهم وليس الحكومة أو السلطات وأن المشكلة الجوهرية التي يعاني منها الإعلام العربي أنه باتجاه واحد وانعكاس لسياسات الدولة التي يعمل بها.
وأكد على “ضرورة أن نفكر في وضع الإعلام بمنزلة شريك وصانع قرار وليس فقط متلقيًا له”، وقال: “لم أجد توصيفًا للجريمة السياسية في الموسوعات التي تتعلق بالتشريعات والقوانين في وطننا العربي إلا من الناحية الجنائية”، منوهًا بأن مقترح قانون حق المعلوماتية في العراق ذو رؤية تسلطية ينص على معاقبة من يسئ لأحد الرموز بالسجن من 10 إلى 20 سنة وهي كارثة كبيرة وتؤسس لمستقبل قمعي. ونوَّه بأن بعض قضايا القذف والتشهير تصل عقوبتها في العراق إلى الإعدام ومصادرة الأموال.
وقال: “إن الصحافي في الجريمة السياسية يكون هو المتهم وليس الحكومة أو السلطات”، لافتًا إلى قلة عدد القنوات الإخبارية في المنطقة العربية، كما أن نصفها مؤدلج والآخر مشكوك فيه إلا ما قلَّ وندر. وأشار إلى أن المشكلة الجوهرية التي يعاني منها الإعلام العربي أنه باتجاه واحد وانعكاس لسياسات الدولة التي يعمل بها وأن ثقافة الاستقصاء لا تزال حكرًا على الصحف الأميركية والبريطانية. وأضاف أن تغطية قضية مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في الإعلام العربي كانت انعكاسًا لسياسات الدول، التي ترسم بدورها سياسة القناة.
وأشار إلى أنه حتى المنظمات المهنية ومنظمات حقوق الإنسان العربية تحكمت فيها الأنظمة الحاكمة فلم يصدر أي موقف من اتحاد الصحفيين العرب ونقابات الصحفيين في كافة أرجاء الوطن العربي التي تغرِّد حسب ما يريد حكام هذه البلدان. ونوه بالتغطية الغربية لجريمة مقتل خاشقجي في “واشنطن بوست” و”ودير شبيغل” لافتًا إلى أن الصحافة الإيرانية تعاملت مع الحدث نكاية في السعودية فيما كانت الصحافة التركية تعطي المعلومات بالتفاصيل استجابة لرؤى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. وشدَّد على أن قناة الجزيرة كانت متميزة بالبحث عن الحقيقة بأسلوب استقصائي جذاب ومثير.
تحدثت جيسيكا أرو، صحفية استقصائية من فنلندا، عن تجربتها قائلة إنها قبل 4 سنوات بدأت الكتابة عن روسيا ووجدت هجومًا كبيرًا ضدها على وسائل التواصل الاجتماعي من شخصيات تكتب بأسماء مستعارة دعمًا للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وسياساته. وقالت: “واجهت سلسلة من الحملات بأكثر من 250 خبرًا وتقريرًا زائفًا انطلقت من روسيا بأخبار كاذبة تزعم أنني مجرمة ولست صحافية وبدأ البعض يرسل لي تهديدات بالسجن والقتل”.
وأشارت أرو إلى كشفها هذه الحملات للعلن مؤكدة أهمية التصدي لمثل هذه الحملات وإلا سيواصل الديكتاتوريون نهجهم في مطاردة أصحاب الآراء التي لا تروق لهم.
قالت باربرا تريونفي، المديرة التنفيذية لمعهد الصحافة العالمي: إن المعهد يكرس نفسه للدفاع عن حرية الصحافة وجودة العمل الصحافي “ولا يمكن أن نفعل ما فيه الكفاية؛ فهناك الكثير من الصحافيين الذين يتعرضون للهجوم وعلينا توثيق ذلك لكي يعرف العالم ما يحدث لهم”. وأضافت أن قضية مقتل خاشقجي كانت مثيرة للاهتمام بشكل خاص لتعلقها بمبدأ الحرية.
وأوضحت أن ثمة عوامل جيوسياسية أثَّرت في الاهتمام بالجريمة وعلاقاتها الصعبة مع السعودية وحاجة تركيا أن تقدم نفسها كدولة تدافع عن حقوق الصحفيين في ظل الانتقادات ضدها في هذا الصدد. ونوهت بأن قضية خاشقجي أثارت المخاوف بعد محاولة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إظهار أن الجريمة لا علاقة لها بالسعودية؛ “ما جعلنا نشعر أن العالم الحر الذي نعيش فيه والقائم على عدد من القيم بدأ ينهار”.
وأشارت إلى إشكاليات النظام العالمي الراهن بعدم قدرة البلدان على إنفاذ سياساتها على بلدان أخرى، ولفتت إلى تجربة محاكمة الولايات المتحدة لقتلة سفير تشيلي على أرضها وطالبت بضرورة ممارسة الضغط على قتلة خاشقجي للمثول أمام المحاكم الأميركية باعتبار جريمة قتله انتهاكًا لحرية الرأي والتعبير التي ينص عليها التعديل الأول بالدستور الأميركي.
أوضح، صلاح نجم، مدير الأخبار في قناة الجزيرة الإنجليزية، أن القناة تعاملت مع قضية خاشقجي ليس باعتبارها جزءًا من الأزمة الخليجية لافتًا إلى أن الأزمة الخليجية جريمة سياسية في حدِّ ذاتها باختلاق أزمة بناء على قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية وبث أخبار مفبركة.
وقال: إن القضية بدأت بمعلومات ضئيلة وبتسريبات دون مصدر مباشر وكانت الدقة أهم من السبق مع ضرورة تحديد المسؤولية الجماعية لتحديد إطار الجريمة وعدم اقتصارها على شخص أو اثنين.
وقال: إنه بمجرد التقصي ومتابعة مثل هذه الجرائم، تبدأ الأنظمة بمحاولة اغتيالك حتى بحملات تشويه وهو ما تم بمهاجمة قناة الجزيرة وبعض صحافييها بالكثير من القصص المختلقة.
ونوَّه بأن من يرتكب جريمة سياسية في الماضي كان يحاول إخفاءها، أما الآن فيريدون أن تكون معروفة لإثارة خوف الشعوب ووسائل الإعلام التي تتابع مثل هذه الجرائم.
ناقش خبراء ومفكرون، في الجلسة الخامسة، السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط والتحديات التي تواجهها، سواء تجاه دول الخليج العربية أو إسرائيل أو تجاه إيران، ضمن فعاليات منتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي ينعقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، وشكَّك هؤلاء الخبراء في مصداقية الإدارة الأميركية لتكون شريك سلام قويًّا ومستقلًّا في حل القضية الفلسطينية، وخلصوا إلى أن المنقطة تعيش حالة انكشاف استراتيجي.
أكد محمد الشرقاوي، باحث أول في مركز الجزيرة للدراسات، أن هناك الكثير من المفارقات فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب؛ حيث تبدو صورة الوضع معقدة وتبرز فيها حرب تجارية ضد الصين وعقوبات ضد إيران، ويعكس ذلك التخبط الذي تعيشه إدارة ترامب. لقد أثارت قرارات ترامب والتي كان آخرها ما يتعلق بهضبة الجولان، الشك في عدم مصداقية الإدارة الأميركية لتكون شريك سلام قويًّا ومستقلًّا.
وأشار الشرقاوي إلى أن مواقف ترامب تفتقد إلى الرزانة؛ حيث القفز من استراتيجية إلى أخرى، وتحول من موقف في قضية ما إلى موقف آخر، هذه السياسة التي يتبعها ترامب ترتبط باحتكار القرار السياسي وهي مسألة مناوئة لمؤسسة الرئاسة وحتى للديمقراطيين في الكونغرس.
وبالرغم من ذلك، يضيف الشرقاوي: هناك سياسيون معتدلون يؤمنون بأن ترامب سبَّب ضررًا كبيرًا للسياسة الخارجية الأميركية بسبب الفوضوية في اتخاذ القرارات، فهو يقرر بشأن قضية معينة ثم يخرج منها بدون سابق إنذار، لذلك، هناك لغط وتشويش في سياسة ترامب. وقال: إن الأميركيين يجب أن يعيدوا النظر فيما وصلت إليه علاقاتهم مع روسيا والاتحاد الأوروبي فحتى الحلفاء القريبون من الولايات المتحدة بدؤوا ينتقلون إلى تحالفات أخرى، ورأى أن هذا النهج لا يمكن أن يستمر، وعلى الأميركيين أن يكشفوا عن حقيقة حقبة ترامب وما تسببت فيه من ضرر للولايات المتحدة الأميركية ولسياستها الخارجية.
أكد الكاتب والمحلل السياسي الأردني، عمر عياصرة، أن منتدى الجزيرة منصة للحكمة ولتداول الأفكار، وأشار فيما يتعلق بالسياسات الأميركية في الشرق الأوسط، إلى أن هناك توحشًا مثلما يحدث للقضية الفلسطينية وفي قلبها القدس عندما قال ترامب: “احسموها لصالح إسرائيل”، موضحًا أن “ترامب ليس هو السبب الوحيد فيما نحن فيه بل هناك عامل آخر مهم وهو “عامل القابلية”، أي: أن يَفْعَلَ بِنَا ما يشاء، هذه القابلية جعلتنا عرضة لتطبيق سياسات ترامب ورغباته”. وأضاف عياصرة أن ترامب يصنع الرعب كي يتحكم أكثر في المنطقة؛ ففي السعودية هناك رعب من الإسلام السياسي ورعب من العدوى بشأن الانتقال الديمقراطي ورعب من تنظيم الدولة. هذه الحالة من الرعب تسيطر على المنطقة وتحد من القدرة على التغيير فيها.
وأشار إلى أن الإدارة الأميركية تنتج صراعات داخلية لتستمر في هذا الوضع الذي تستفيد منه جيدًا، لذلك يرفض الأميركيون أو يتجاهلون صوت الحكمة الكويتي الداعي إلى حل القضايا دبلوماسيًّا. وعلى الرغم من الحديث عن التوسع الروسي والصيني والذي تدعو الولايات المتحدة الأميركية إلى وقفه، لا تزال أميركا هي المسيطرة في المنطقة وتستخدم الإمارات والسعودية في خدمة إسرائيل.
وأكد أن “هناك قابلية لدينا ليحركنا ترامب بالشكل الذي يريده، فالولايات المتحدة تستفيد من صفقات السلاح في المنطقة، وكذلك حصار إيران”، موضحًا أن سياسة الإدارة الأميركية تصب في مصلحة إسرائيل. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلى أن أصبحت الولايات المتحدة تصنع الاستبداد الغبي وتدعم النهج الإماراتي السعودي في هذا الصدد.
وأشار عياصرة إلى أنه لا توجد خطة بديلة واضحة، فالمنطقة تعيش مرحلة “انكشاف استراتيجي”؛ إذ إن السعودية والإمارات في صراع مع جيرانهما، والثورة في السودان والجزائر مستمرة، والخطة البديلة في رأيي أن يثور الفلسطيني على هذا الوقع وأن يلغي اتفاقيات ما قبل مدريد، هذا الوضع سيربك الساحة الدولية وكذلك قرارات ترامب بما فيها صفقة القرن.
أوضح الباحث المتخصص في الشأن الفلسطيني، محمود جرابعة، أن المنطقة تقوم على ثلاث ركائز إقليمية، هي: السعودية وإسرائيل وإيران. وتدور السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط حول هذه القوى الثلاثة التي تشكِّل التوجه العام للمنطقة، مشيرًا إلى أن الرؤية الأميركية لم تعد قائمة على حل الدولتين وقضية الاستيطان وحق العودة؛ فهذه الأمور ليست مطروحة على الطاولة بالنسبة لإدارة ترامب، فالسياسة الأميركية الجديدة تقوم على إيجاد حلول من طرف واحد وفرضها على الجانب الفلسطيني. كما تسعى الإدارة الأميركية إلى إضعاف السلطة الفلسطينية من خلال منع المساعدات وذلك لإجبارها على الدخول في مفاوضات غير مشروطة مع الإسرائيليين، منها فرض تسوية تشمل أبوديس عاصمة للدولة الفلسطينية.
وبيَّن جرابعة أن الفلسطينيين راهنوا على ردة فعل الشارع العربي والإسلامي بخصوص صفقة القرن وخاصة القدس، “للأسف، يضيف جرابعة، كان أداء هذا الشارع ضعيفًا وهذا ما شجَّع إدارة ترامب على التمادي والتلاعب بالملفات المصيرية للقضية الفلسطينية”. وأشار إلى الضغوطات التي تتعرض لها الأونروا التي تعتني بـ5 ملايين فلسطيني، خاصة التضييقيات الجديدة التي شملت إعادة تعريف “اللاجئ”. وتسعى الإدارة الأميركية من خلال إعادة التعريف هذه إلى مضايقة الأونروا وتقليص حجمها ونشاطها. وأكد جرابعة أن وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في إسرائيل ربما يتسبب في تصعيد جديد لاسيما ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، وقد شجع على هذا القرار ضم هضبة الجولان إلى الأراضي الإسرائيلية.
وأوضح جرابعة أن استراتيجية السلام أصبحت معكوسة فبدلًا من إقامة السلام ثم التطبيع مع إسرائيل كثمن لهذا الخيار أصبحت بعض الدول الخليجية تستخدم الضغط على الفلسطينيين من أجل فرض السلام عليهم بدون أي ضمانات ولا حلول، وقد نجحت إسرائيل كثيرًا في تمرير هذه الرؤية.
وأشار جرابعة إلى أن السعودية تسعى لجعل إسرائيل ضمن المنظومة الأمنية العربية لمواجهة إيران، وقال: إن القضية الفلسطينية ستشهد المزيد من التهميش خاصة بعد تصريحات وزراء خارجية البحرين والسعودية والإمارات في مؤتمر أوسلو الأخير، والذي سرَّب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي مقتطفات منه. وبالرغم ذلك، هناك عقبات كبيرة، منها: الرفض الفلسطيني لتصفية الملفات المصيرية، ورفض الأردن لقضية الوطن البديل والاستيطان وقضية القدس.
قال سيد محمد مرندي، رئيس قسم الدراسات الأميركية بجامعة طهران: يجب النظر إلى ترامب نظرة مختلفة عن بومبيو وبولتون؛ فالرئيس الأميركي هدفه البقاء في السلطة والنجاح في الانتخابات المقبلة، وهو ما ركزت عليه سياساته في السنوات الماضية. ورغم اختلاف هؤلاء الثلاثة إلا أن رؤيتهم للسياسة الأميركية لا تختلف كثيرًا.
ويرى مرندي أن الإدارة الأميركية الجديدة تسببت في مشاكل مع روسيا والصين ودول أخرى في إفريقيا وأميركا اللاتينية، وكان آخر فصول هذه السياسات تجويع الشعب الفنزويلي، وأضاف: لقد تسببت إدارة ترامب بعزل الولايات المتحدة وذلك نتيجة السياسات التصعيدية، وخلقت توترًا كبيرًا في المنطقة، وعلى الرغم من محاولاتها الآن خلق تحالفات جديدة في المنطقة لتمرير مشاريع استراتيجية إلا أنها تواجه صعوبات كبيرة وخاصة أن الوقت لم يعد في صالحها.
وعن نذر المواجهة بين إيران والولايات المتحدة التي بدأت تلوح في الأفق، قال مرندي: أعتقد أن السيد روحاني سيستخدم منهجًا مناسبًا لمواجهة هذه الأزمة التي تتمثل في العقوبات؛ فالاتحاد الأوروبي يلعب دورًا مهمًّا في هذا المضمار حيث لا يزال يعارض هذه العقوبات.
وأوضح أن هذه العقوبات ستساعد إيران سياسيًّا؛ إذ تحيط بإيران 15 دولة، ستعمل على توفير حلول للنفط الإيراني عن طريق استخدام أساليب تجارية جديدة، مشيرًا إلى أن إيران موحدة في زمن ترامب أكثر من أي وقت مضى.
اتفق خبراء وأكاديميون على احتدام سباق التسلح في منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة محذرين من دخول مجموعات وأطراف من غير الدول في هذا السباق ما ينذر بمزيد من التوترات في منطقة لا تنقصها الأزمات والصراعات.
ونوَّه المشاركون في الجلسة الرابعة، التي حملت عنوان “سباق التسلح في الشرق الأوسط: واقعه ومآلاته”، ضمن فعاليات منتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي ينعقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، بأن المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الأولى كأكبر مستورد للسلاح في العالم، فيما أكدوا أن هذه النفقات لا تعكس القدرات العسكرية الحقيقية للدول بدليل عدم تحقيق انتصار يُذكر في الحرب الدائرة في اليمن منذ أربع سنوات.
أوضح بيتر وايزمان، باحث أول بمعهد ستوكهولم الدولي للسلام، خلال استعراضه تقرير المعهد السنوي عن مبيعات الأسلحة في العالم، أن النفقات العسكرية تزايدت في السنوات الخمس عشرة الماضية فيما شهدت زيادة لافتة في السنوات الخمس الأخيرة. وأشار التقرير إلى أن السعودية احتلت المرتبة الأولى عربيًّا والثالثة عالميًّا في الإنفاق العسكري بعد الولايات المتحدة الأميركية والصين لتتجاوز بذلك دولًا تفوقها مساحة وعددَ سكان مثل روسيا والهند. وبلغ الإنفاق العسكري نحو 8% من حجم الناتج الوطني لعدد 7 دول في الشرق الأوسط فيما لا يتجاوز 2% في أوروبا ومعظم دول العالم.
وقال وايزمان: إن كثيرًا من الدول تقدم معلومات محدودة عن النفقات العسكرية والتسلح، والبعض الآخر لا يقدم أية معلومات على الإطلاق مثل سوريا واليمن لطبيعة الأوضاع هناك، لافتًا إلى أن الإنفاق العسكري المنخفض في إيران يعود للعقوبات المفروضة عليها وعدم توافر موارد مالية لشراء السلاح. لافتًا إلى أن الإنفاق على التسلح شهد انخفاضًا عام 2014 مع هبوط أسعار النفط ثم عاد للزيادة.
وبيَّن أن السعودية أكبر مستورد للسلاح في العالم حتى عام 2018 تليها مصر والإمارات، قائلًا: إنه سيكون لدولة قطر دور أكبر نظرًا لبرامج السلاح الكبيرة التي بدأتها منذ عام 2010، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا الغربية أكبر مورِّدي السلاح لمنطقة الشرق الأوسط.
وأكد وايزمان أن النفقات الكبيرة على شراء الأسلحة لا تعكس قدرات عسكرية حقيقية في التدريب والقيادة ونوعية السلاح وملاءمته للأهداف، وتساءل إن كان شراؤه للاستخدام أم للاستعراض والتفاخر!
ونوَّه بحدوث تغيير وصفه بالكبير في منطقة الخليج؛ حيث إن شراء الأسلحة لم يعد للاستعراض؛ إذ تستخدمه السعودية والإمارات، في اليمن وسوريا وليبيا الآن، ويسعون للحصول على أحدث التقنيات التي تُستخدم في التدخلات الخارجية ويتم استخدامها بالفعل.
وتساءل وايزمان، عن رؤية القيادات في السعودية، لجدوى النفقات العسكرية التي تقوم بها، بعد ثبوت عدم قدرتها على الانتصار في اليمن وإدراكهم لمحدودية القدرات العسكرية لديهم. قائلًا: إن هذا هو السؤال الأهم في هذه المرحلة.
قال مراد يشلتاش، مدير برنامج الدراسات الأمنية في معهد سيتا في تركيا: إنه من الأهمية بمكان الأخذ في الاعتبار الإحصائيات التي تكشف حجم التطور في سباق التسلح، وأن نفهم ردة فعل تركيا إزاء هذه التحولات الاستراتيجية في المنطقة وذلك بمحاولة الإجابة على سؤالين، هما: ما طبيعة سباق التسلح الحادث الآن؟ وما التحولات الجيوسياسية بعد تحولات الربيع العربي؟
وأضاف أنه من الضروري أيضًا فهم الصراع الدائر بين الدول الذي تلعب فيه عملية سباق التسلح دورًا مهمًّا، ولذلك لابد من الانتباه إلى وقوع الأسلحة في أيدي أطراف أخرى من غير الدول، خصوصًا أنه توجد مجموعات إرهابية لا بأس بها تستطيع أن تدخل إلى ميادين سباق التسلح.
وأشار إلى أن التدخلات الأجنبية تعتبر دافعًا أساسيًّا لتعزيز سعي الدول نحو سباق التسلح في المنطقة، وبالتالي يجب أخذ هذه التحولات الجيوسياسية بعين الاعتبار حتى نفهم التحولات التي طرأت على الجانب التركي في هذا الخصوص.
وقال يشلتاش: إن هناك 3 نقاط لابد من النظر فيها لفهم ردة فعل تركيا وتتعلق بتوازن القوى في المنطقة بعد الربيع العربي؛ حيث نشأت تحالفات تهدد الأمن القومي التركي في المنطقة، كما أن الدافع الأساسي لتغيير سياستها الدفاعية في سباق التسلح يرتبط بالتغيرات التي حدثت في تحالفات البحر الأبيض المتوسط، ثم هناك قرار أميركي لبحث رفع حظر التسلح عن قبرص ما يؤثر على تركيا.
وأشار إلى أن الوجود العسكري التركي خارج تركيا هدفه ردع التغييرات الدينامية في سوريا وأن المجموعات الإرهابية تدفع تركيا لتعزيز قدراتها ووجودها لمكافحة هذه المجموعات. وقال: إن صفقة صواريخ إس 400 من روسيا تعد قضية استراتيجية ملحَّة لتركيا وستشكِّل مفصلًا تاريخيًّا وستطفو على السطح توترات سياسية مع الولايات المتحدة ويمكن أن تؤثر على توجهات أميركا في المنطقة.
ونوَّه بأن تركيا لديها 3 شروط وفقًا لهذا التحول لدرء النزاع، وهي: نقل التكنولوجيا باعتباره أمرًا استراتيجيًّا لتركيا، والإطار الزمني، وعملية المفاوضات بحد ذاتها، لافتًا إلى أن الولايات المتحدة لم تقبل بهذه الشروط، وهذه هي المشكلة وعقدة المنشار ما يهدد التعاون بين البلدين ولابد من الوصول إلى حل على المدى القصير. وأشار إلى أن هناك تعزيزًا للقدرات الهجومية للدول الأخرى في المنطقة ويجب أن تمتلك تركيا منظومة صاروخية ذكية.
وقال يشلتاش: إن هناك 3 احتمالات لسباق التسلح: بِبِنْيَة أحادية تقودها الولايات المتحدة، أو بنية متعددة الأقطاب تصوغ فيها 5 دول أساسية المعالم الجيوسياسية في الشرق الأوسط، والبديل الثالث -الذي يشكِّل احتمالية كبرى للأمن شرق الأوسطي- بغياب الأقطاب برمتها وتولي الدول والأطراف من غير الدول الأمور بما يمكن أن يفضي إلى فوضى في سباق التسلح في المنطقة.
استعرض مسعود أسد اللهي، باحث إيراني متخصص في الدراسات الأمنية، تطورات سباق التسلح في منطقة الشرق الأوسط تاريخيًّا، مؤكدًا عدم وجود هذا السباق قبل خمسين عامًا. وأوضح أنه عقب سحب بريطانيا لقواتها شرق قناة السويس، حدث فراغ كبير وحاولت الولايات المتحدة الأميركية أن تملأه وكانت غارقة في حرب فيتنام ولذلك طرحت رؤية جديدة، عام 1969، بتكليف حلفاء أميركا الإقليميين بحفظ مصالحها بدلًا من إرسال جنودها إلى المنطقة. وأضاف أن هذه الرؤية الأميركية تحولت إلى سياسة ركيزتها إيران زمن الشاه والسعودية لترويض الجماعات الراديكالية والتصدي للشيوعية. وبدأ سباق التسلح بين إيران في زمن الشاه والعراق في عهد الرئيس الأسبق، صدام حسين. وبعد الثورة الإسلامية في الثمانينات، بدأ سباق التسلح من طرف واحد ببيع السلاح للعراق ضد إيران.
وأكد أسد اللهي أن استمرار سباق التسلح لا يرتبط فقط بالمال وإنما أيضًا بخلق فوبيا أو رهاب من أمر ما أو بلد ما؛ ففي السبعينات كانت الفوبيا من الشيوعية، والثمانينات “فوبيا الثورة الإيرانية” ثم “العراق فوبيا” في التسعينات والخوف العربي من صدام حسين وصولًا إلى “إيران فوبيا” بوضع الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، إيران ضمن محور الشر.
وقال: إنه منذ عام 2015، ومجيء الملك سلمان وصعود نجم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، نرى سباق تسلح غير مسبوق. كما نرى وضعًا جديدًا بخروج السلاح الخليجي عن السيطرة وخطورة استخدامه ضد اليمن وتهديد وحصار قطر ما ينذر بوضع خطير جدًّا بانفلات السلاح الخليجي وعدم السيطرة عليه.
واقترح أسد اللهي إقامة تعاون إقليمي واسع بين بلدان المنطقة مع بعض البلدان خارجها، يضم إيران وتركيا وقطر والعراق والكويت وسلطنة عمان والهند وباكستان لمواجهة ما وصفه بفلتان السلاح الخليجي. وشدًّد على ضرورة أن تعزز قطر علاقاتها مع العراق وباكستان لأن السعودية تستغل الوضع في باكستان والعراق للتقارب والنفوذ والتغلغل في هذين البلدين، وقال إنه يدعو إلى تعاون وليس تحالفًا لتحقيق السيطرة على فوضى السلاح الخليجي.
قال الصحفي، أندريه فرولوف، رئيس تحرير مجلة الدفاع في موسكو: إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ظلت منطقة تقليدية فيما يتعلق بسباق التسلح، وتدر الكثير من المال على خزائن موسكو بما تشتريه من أسلحة، موضحًا أن الميزانيات الضخمة لهذه البلدان تمكِّنها من شراء أسلحة متطورة، وتعد الإمارات والجزائر ومصر، على سبيل المثال، الزبائن الأوائل لسوق الأسلحة الروسية المتطورة، وهذا التوجه لا يزال قائمًا.
وأضاف أنه من الصعوبة بمكان الحصول على أرقام ملموسة حول حجم الصفقات بين روسيا وهذه الدول لأن السرية تلف صفقات الأسلحة الروسية، ولكن الأرقام الرسمية لعام 2015 تشير إلى أن نسبة صفقات السلاح لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانت بواقع 36%، وفي عام 2017، بلغت النسبة 48% أي نصف صادرات الأسلحة الروسية تقريبًا التي تبلغ حوالي 15 مليار دولار سنويًّا.
وأوضح أن هذا يعني أن دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشتري أسلحة بحوالي 7 إلى 8 مليارات دولار سنويًّا من روسيا، التي لا تزال تروج لأسلحتها في هذه المنطقة، خصوصًا أن هناك شائعات حول نية الإمارات الاستثمار في المقاتلات الروسية من الجيل الخامس.
وقال فرولوف: إن التدخل الروسي في سوريا، في عام 2015، مثَّل انفراجة لها، لأنه غيَّر قواعد اللعبة وأصبحت روسيا لاعبًا ذا نفوذ عريض في المنطقة، “وشهدنا ثورة في صفقات الأسلحة الروسية وانضمت إليها بعض البلدان التي لم تكن زبائن لروسيا في السابق”، وضرب فرولوف مثلًا بالسعودية التي أبرمت عقود تسلح مع روسيا بما فيها بناء بعض المصانع لتصنيع الكلاشنكوف وصفقات أخرى من بينهاTOS-1 . وبعد الحصار، أظهرت قطر اهتمامًا بالتعاون مع روسيا وقامت وزارة الدفاع القطرية بزيارة معرض للسلاح في روسيا عام 2017 وكانت هناك أنباء أن قطر اشترت بعض الأسلحة الروسية.
وأكد أن روسيا وظَّفت المسرح السوري لاختبار العديد من الأسلحة الجديدة، ولعب ذلك دورًا مهمًّا للترويج للأسلحة الروسية في المنطقة، مشيرًا إلى أن هذا الترويج يمكن أن يؤتي أكله بعد سنوات.
وقال فرولوف: إن ما وصفه بالموجة الثانية من الربيع العربي يمكن أن تزعزع الاستقرار في المنطقة وتغيير النظام الجزائري يمكن أن يقلِّص التعاون مع روسيا، وأيضًا ظهور منافسين جدد غير أميركا وأوروبا وأهمهم تركيا التي أصبحت ندًّا لروسيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
أكد باحثون وإعلاميون مشاركون في أعمال منتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي تستضيفه الدوحة يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، أن قضية مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول، زادت من تعقيد المشهد الإقليمي، فيما أثنوا على الدور، الذي وصفوه بالمهم، لقناة الجزيرة في تسليط الضوء وإبراز هذه الجريمة غير المسبوقة. جاء ذلك في الجلسة الثالثة بعنوان “اغتيال خاشقجي: أزمة أخرى تزيد في تعقيد المشهد الإقليمي” ضمن اليوم الأول من أعمال المنتدى. ونوه المشاركون بتداعيات الجريمة على الصراع اليمني بطرح تساؤلات حول نوايا المملكة العربية السعودية التي تقود تحالفًا عربيًّا بدعوى محاربة الحوثيين وإعادة الشرعية اليمنية فيما تستمر الحرب منذ 4 سنوات كاملة دون نتائج أو أفق لنهايتها.
أشاد الصحفي التركي، فرحات أونلو، أحد مؤلفي كتاب “الوحشية الدبلوماسية: الأسرار المظلمة لجريمة قتل خاشقجي”، بقناة الجزيرة لدورها الكبير الذي لعبته في العالم العربي وتسليطها الضوء على قضية خاشقجي. وأكد أن كتاب “الوحشية الدبلوماسية” جاء مستندًا إلى وصف التسجيلات الصوتية لفريق الاغتيال، وركز على سلسلة من التطورات التي حدثت عقب الجريمة معتمدًا على عدد من المعلومات الاستخباراتية والصور والتسجيلات التي تزامنت مع وقوع الجريمة؛ حيث يعيد الكتاب تسليط الضوء على تفاصيلها وخلفيات حدوثها ويكشفها أمام العالم.
وأشار أونلو إلى أن أحد أسباب اغتيال خاشقجي انتقاده للسياسات السعودية، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الدبلوماسية السعودية، ولكن قضية مقتله عقب دخوله القنصلية وتهريب جثمانه عبر سيارة دبلوماسية جريمة غير مسبوقة، وهو ما يُظهر أن فريق الاغتيال حاول أن يسابق الزمن، مشيرًا إلى أن هذه الجريمة ليست جريمة قتل وحسب ولكنها حادث متشعب دبلوماسي واستخباراتي وجيوسياسي، إضافة إلى أنه يكشف أن هناك جوانب خفية في هذه القضية لا تزال طي الكتمان من بينها إخفاء الجثمان.
وأضاف أونلو أن هذه الجريمة أثَّرت بالضرورة على العلاقات السعودية-التركية وكذلك العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، خاصة أن قتل خاشقجي قضية شائكة وتداعياته مستمرة على المشهد العالمي. ولفت إلى أن مؤلفي الكتاب تعمدوا الجمع في عنوانه بين مصطلحات متناقضة وهي “الدبلوماسية” و”الوحشية” لأن العنف يتنافى مع الدبلوماسية، وهذه الجريمة دمجت بين الاثنين.
وأشار إلى أن القيادة التركية أدارت الأزمة بهدوء وضبط نفس وحذر شديد فيما يخص تسريب المعلومات، موضحًا أن زيارة بعض الدبلوماسيين السعوديين والشخصيات القيادية لتركيا عقب الجريمة ليست مصادفة، وقد طغت التقارير الاستخباراتية التركية على المشهد.
وأكد أنه يواصل البحث عن معلومات وإجابات لهذه القضية، وتوفير أدلة ملموسة بغض النظر عن الجدل الدائر حولها. وقال: إن هذه الجريمة كشفت النقاب عن دولة ضربت بعرض الحائط كافة القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية وحتى الدبلوماسية، وكانوا يهدفون للحصول منه على بعض الاعترافات، ولا تزال الأسئلة تُثار حول هذه الجريمة.
وشدَّد على ضرورة إعلان السلطات السعودية عن مكان جثمان أو رفات خاشقجي لدفنها وفق قواعد الشريعة الإسلامية، والعالم بأسره يرغب في معرفة: أين اختفى جثمانه؟
بدوره، أكد الباحث اليمني، علي الذهب، دور الإعلام الحر في تسليط الضوء على جريمة مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، لافتًا إلى أنها سبقتها جرائم أخرى عابرة للقارات وطالت رئيس الجمهورية اليمنية، إبراهيم محمد الحمدي، عام 1977، ولكنها لم تحظ بنفس الاهتمام الإعلامي.
وشدَّد على أن قضية مقتل خاشقجي فتحت العيون على الصراع في اليمن والجدوى منه بعد أربع سنوات من الحرب وانعكاساتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وأضاف أن هذه الجريمة لم تكشف الوجه الحقيقي للمملكة العربية السعودية، لأن وجهها مكشوف بالفعل بارتكابها جرائم في حق الشعب اليمني منذ عقود لافتًا إلى محاولات احتلال المملكة للأراضي اليمنية.
وقال: إن رؤية السعودية لعام 2030 لن تحظى بالنجاح لأن رأس المال جبان ويخشى الدخول في مناطق الصراعات وانتهاك الحقوق، كما أن العالم ينظر إلى إخفاق ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وفشله في أول عملية استخباراتية ماتت قبل أن تولد.
وأشار إلى أن السعودية تبحث عن مرتكز لها في منطقة البحر الأحمر عبر التوسع في الأراضي اليمنية فيما المنطقة غارقة بالقواعد العسكرية والعداء بين الأقطاب العربية بسبب هذه القواعد. ونوَّه بأن انتهاك الحريات كان مطروحًا قبل مقتل خاشقجي وأن هذه الجريمة جعلت اليمنيين يفكرون في مصير بلادهم بعد أربع سنوات من الحرب، في إشارة إلى العمليات العسكرية التي تقودها السعودية بدعوى محاربة الحوثيين وإعادة الحكومة الشرعية. وقال: “بدأنا نفكر أن ثمة نوايا سيئة مبيَّتة ضد اليمن بعد هذه الحرب التي استمرت منذ 4 سنوات دون الوصول إلى نتائج”.
وأكد الذهب أن السعودية لديها أطماع تاريخية في الأراضي اليمنية، وكذلك الإمارات لديها أطماع جيوسياسية تقوم على مفهوم الأمن الاقتصادي، الذي يعتمد في 69% منه على الاقتصاد الأزرق الذي يعني استغلال الموانئ وصناعة النقل وهو ما يفسر توغل الإمارات في القرن الإفريقي؛ حيث أعطتها الإمكانيات المادية القدرة على التوسع رغم محدودية جغرافيتها.
وقال: إن مصطلح الشقيقة الكبرى الذي أطلقه الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، على السعودية كان نتيجة ما تسببه من صداع مزمن لليمن وكان اليمن يتعامل معها لأولوية الجيرة والأخوة العربية والإسلامية ولكنها تنظر لليمن ضمن مصفوفة تحت سيطرتها تمتد إلى لبنان ودول أخرى في المنطقة.
من جهته، قال سايمون سبانسويك، المدير التنفيذي لمؤسسة رابطة البث الدوليAIB : إن عملية اغتيال الصحفي والإعلامي، جمال خاشقجي، تعتبر من أكثر جرائم الاغتيال المروِّعة التي شدَّت انتباه وسائل الإعلام حول العالم، ولعل ذلك مرده ومرجعه إلى البشاعة التي حدثت بها.
وأضاف أن وسائل الإعلام حول العالم قامت بعمل كبير لكشف الغموض الذي صاحب الجريمة، موضحًا أن مؤسسة رابطة البث الدولي تعمل جنبًا إلى جنب عدد من الشركاء والمؤسسات الإعلامية، بما فيها قناة الجزيرة، لرفع نسبة الوعي بين مستقبلي الرسالة الإعلامية حول ضرورة العمل العاجل المشترك لتحقيق وحماية حرية الصحافة، ودعم الصحفيين ووسائل الإعلام والقنوات المختلفة ومساعدتها في أداء رسالتها وتقديم خدماتها بلا عوائق.
تناولت الجلسة الثانية واقع المنظومة الخليجية التي عجزت عن رأب الصدع بين دول المجلس، بعد حصار قطر، وتقريب وجهات النظر لحل الأزمة دبلوماسيًّا، وتنسيق المواقف لمواجهة التهديدات الأمنية المشتركة. وأشار المشاركون في هذه الجلسة التي حملت عنوان “واقع المنظومة الخليجية وتآكل النفوذ السعودي”، ضمن فعاليات منتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي ينعقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، إلى أن مجلس التعاون الخليجي خسر كل منجزاته وأن القوى الكبرى هي المستفيد من حالة الانقسام في المنطقة العربية.
أكد النائب الكويتي السابق، ناصر الدويلة، أن وساطة أمير الكويت لا تزال قائمة، وأن الكويت تبذل أقصى طاقتها لِلَمْلَمَة البيت الخليجي بعد هذه الأزمة، وأضاف: “يبدو الأمر أعمق بكثير مما هو ظاهر لنا، فالأزمة كانت ستقع مهما كان الأمر، فقد حدثت مع قطر وستحدث مع الكويت ومع عُمان”. وأشار إلى أن مشكلة المنطقة تكمن في أن لديها قوة ممثلة في السعودية وهذ النظام له فلسفة في الحكم تخفت مع الحكام العقلانيين، وتتصاعد مع الحكام التوسعيين، فكلما صعد حاكم توسعي برزت الحيوية التاريخية للدولة السعودية وبدأ الحاكم الجديد في ممارسة فلسفته في الحكم والتعامل مع الجيران.
ولفهم أكبر وأشمل للوضعية التي تمر بها المنطقة، أوضح الدويلة أن هناك حاجة للوقوف على نشأة الدولة السعودية الحديثة وما رافق ذلك من أحداث أسهمت في تكوين عقلية الدولة السعودية الحديثة، والتي قامت على تحالف بين محمد بن عبد الوهاب وآل سعود. وبموجب هذا الاتفاق، يتولى آل الشيخ الأمور الدينية بينما تُترك أمور الحكم والسياسة لأسرة آل سعود. وبيَّن أن فلسفة الحكم السعودي ليست قائمة على اعتراف بحدود معينة؛ حيث تطغي النظرة التوسعية على فلسفة الحكم؛ لذلك تغيرت حدود الدولة السعودية وما زالت في تغيير مستمر حتى اليوم، وهكذا كانت فلسفة الحكم ابتداء فلسفة توسعية، تنظر إلى الحدود نظرة مائعة.
وقال الدويلة: “هذه الفلسفة هي ما تفسِّر هجوم النظام السعودي على الكويت بدعوى الحدود ثم حصار قطر والتصعيد مع عُمان. إن فكرة الحدود ليست محترمة لدى الدولة السعودية الأولى وهذه الفلسفة لا تزال مستمرة حتى الآن.. نحن أمام دولة توسعية لا تعترف بالحدود.. لذلك، فإن فهم الوضع القائم الذي أحدثته الأزمة يتطلب مراجعة السياقات التاريخية التي أظهرت أن القضية مرتبطة أساسًا بالتاريخ وفلسفة الحكم، فالقضية لا علاقة لها بالجزيرة وما تقوم به من تغطيات، بل إن الأمر يتعلق بقوة توسعية ستعبِّر عن نفسها متى أمكنها ذلك”.
وأشار الدويلة إلى أن مراجعة السياقات التاريخية تمكِّن من فهم الواقع اليوم وما آلت إليه وضعية مجلس التعاون الخليجي بشكل أكثر وضوحًا، “ونشير هنا إلى أن الدولة السعودية الثانية قامت على نفس الفلسفة السابقة. لذلك، فهي لا تؤمن بثقافة احترام الآخر بل تريد فرض سياساتها على الكيانات الخليجية الأخرى، وأعتقد أن هذه الوضعية لا يمكن أن نخرج منها إلا إذا غيَّرت السعودية من أسلوب تعاملها مع شقيقاتها في منظومة مجلس التعاون الخليجي”.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الأزمة الخليجية وما أحدثته من آثار يمكن، في نظر الدويلة، أن تُحلَّ بالطرق السلمية في حالة واحدة وهي وجود نظام سعودي يُؤْمِن بالمنظومة الخليجية وبجدوى هذه المنظومة ودورها في حاضر ومستقبل الخليج.
أكد المحلِّل السياسي القطري، عبد العزيز آل إسحاق، أن الأزمة الخليجية لا تزال قائمة، بالرغم من أن “هناك من يقول في قطر بأننا تجاوزنا الأزمة اقتصاديًّا لكن أعتقد أننا لم نتجاوزها اجتماعيًّا”. وأضاف أن من أخطر نتائج هذه الأزمة هو انعدام الثقة، “وللأسف، فإن هذا الوضعية الناجمة عن انعدام الثقة تقودنا إلى عداوة مستمرة، طالما أن الحكومات تؤجج هذه العداوة وهو ما يزيد الأمر تعقيدًا، بحيث يصبح القطري عدوًّا لكل ما هو إماراتي والعكس صحيح. إن كمية الشحن الكبيرة التي عرفتها شعوب المنطقة خلال هذه الأزمة أوصلتنا إلى نقطة بعيدة، لو مثلًا كتبتُ تغريدة الآن عن الصلح ستجد أغلب القطريين ضد التغريدة؛ وهذا ما نجحت فيه سياسة الشحن خلال الأزمة”.
وأوضح آل إسحاق أن دور مجلس التعاون الخليجي قائم على أن السعودية هي من يقود المجلس ومن يقرر عنه، “وهذا ما جعل منها القوة المهيمنة والمسيطرة على قرارات المجلس. لقد رفضت دول المنظومة دخول إيران لأن هذه الدول لا ترضى أن تكون هناك قوة بشرية وعسكرية في المنطقة تنافس السعودية”.
وأشار إلى أن الحديث عن إنجازات مجلس التعاون الخليجي فيه نوع من المبالغة؛ فالمنجز الأهم الذي حققه المجلس هو التنقل بين دول المنظومة الخليجية بالبطاقة”، وأضاف أن المجلس خسر كل منجزاته.. وعرَّج آل إسحاق في معرض حديثه عن الدور السعودي، وبيَّن أن “هذا الدور بدأ في التآكل منذ أزمة الحدود مع الكويت ثم الأزمة مع عُمان والأزمة مع قطر في التسعينات إلا أن هذه الأزمات لم تكن تخرج للعلن”.
وحول إمكانية عودة الدور السعودي لسابق عهده، أكد آل إسحاق أنه لا يمكن للدور السعودي أن يعود كما كان بسبب كثرة الأزمات التي دخلتها السعودية وأدخلت فيها دول المنطقة؛ حيث أزمة الحدود مع عُمان والكويت وأزمة حصار قطر. لذلك، فإن الدور السعودي يتآكل بسبب السياسات السعودية على مدى السنوات الماضية. وأضاف أن صمود قطر في وجه الحصار شكَّل صمام أمان وضمان لاستقرار الكويت وعمان، فلو خضعت قطر لخضعت الكويت وعُمان، بينما البحرين تخضع في الأصل لابتزاز السعودية، فالقرار البحريني مرتهن للسعودية التي تغطي تكاليف الأزمات الاقتصادية التي عرفتها البحرين.
وتساءل آل إسحاق: في ظل الفوضى وانعدام الثقة الذي تعرفه المنطقة، من الذي يضمن ألا يتكرر ما حصل لقطر مع دولة أخرى؟ لافتًا إلى أن محمد بن سلمان سيحكم لأنه لا توجد أية عقبات دون ذلك، “فيجب أن نفكر كيف يمكن أن نعيش في هذا المحيط الجديد ووسط هذه التغيرات المتسارعة. أما بخصوص مجلس التعاون الخليجي، فلا أعتقد أنه سيعود وإذا عاد فسيكون ذلك تحت ضغوط دولية وسيبقي مجلسًا شكليًّا”.
أكد الباحث، مهنا الحبيل، أن المنطقة تعيش حالة من الغموض وخاصة ما يتعلق بنظام الحكم في السعودية، وأضاف: “لا أعتقد أن الدفع باتجاه إسقاط مجلس التعاون الخليجي هو الحل لما تواجهه هذه المنطقة”، معتبرًا أن مراجعة التاريخ السياسي للمنطقة مهمة جدًّا، وهو أمر يحيل إلى التساؤل: هل انتقلت دول الخليج إلى فكرة الدولة القُطرية أم لا تزال قاصرة عن هذا الأمر؟ وأشار الحبيل إلى دور مراكز البحث الغربية في الأزمة واعتبر أن أغلبية هذه المراكز يسوقها المال الخليجي يمينًا ويسارًا.
وأوضح أن المنطقة تتشكل في محورين أساسيين بدأت ملامح هذا التشكل تظهر جليًّا؛ فهناك محور اعتدال يضم الكويت وقطر وعُمان، ومحور تصعيد يشمل البحرين والإمارات والسعودية. وردًّا على العداء الشعبي الذي أحدثته الأزمة، قال الحبيل: “لسنا في حالة عداء شعبي نهائيًّا رغم ما قام به البعض في الإمارات من القبح والقذارة.. لابد من الدفع إلى التضامن الاجتماعي والشعبي لحل الأزمة”.
وحول استشراف الحل للأزمة الخليجية، أضاف الحبيل أن العجز مدخل للحل، وأن عدم قدرة الرياض على الاستفادة من التجييش القبلي والاجتماعي ضد قطر تسبب في ارتدادات على السعودية. وهكذا كان لاستدعاء التاريخ دور سلبي على السعودية استفادت منه قطر في هذه الأزمة؛ مما أسهم في صمود قطر والالتفاف الشعبي حول قيادتها.
وختم قائلًا: “لماذا الدولة الكبيرة تخجل من التفاوض مع الدولة الصغيرة؟ نحن نؤمن بأن المشروع الاستراتيجي هو مشروع ولي عهد أبوظبي”، وأشار إلى أن العجز السعودي عن إجبار قطر على الرضوخ لسياساتها أدى إلى انهيار صورة السعودية في العالم، كما “يجب أن نعي أن خسائر الأزمة الخليجية ضخمة جدًّا ويجب أن ندفع باتجاه إصلاح اجتماعي ونحو مشاركة شعبية ومدنية في هذا التوجه”.
قال أستاذ علم الاجتماع ومدير معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، طلال عتريسي: إن الربيع العربي تسبب في إرباك المعادلات الجديدة في المنطقة، رغم الاختلاف حول تسميته؛ هل هو ربيع عربي، أم ثورة، أم صحوة؟ “لقد أدى تصاعد ثورات الربيع العربي إلى تشكل واقع جديد في المنطقة”.
وبيَّن عتريسي أن هذا الوضع انعكس على المنظومة الخليجية وأصبح كل طرف يريد الحصول على موطئ قدم في سياق التغييرات الجديدة، كما فتحت هذه الوضعية شهية بعض الدول للعب دور لم تكن تلعبه وخاصة السعودية؛ “فلأول مرة تدخل في حروب مباشرة؛ فقد اقتصر دورها سابقًا على تمويل ورعاية الاتفاقيات بين أطراف النزاع، وكانت تحاول أن تبيِّن أن هذا هو وجه المملكة، اليوم تغير الوضع فلم تعد السعودية تعمل من أجل هذا، ولا يهمها إبراز هذا الوجه”.
وفي سياق حديثه عن تجربة حكم الإخوان في مصر، أوضح عتريسي أن السعودية والإمارات راهنتا على إسقاط الإخوان، وهكذا أُفشلت تجربة الإخوان، وقُطعت العلاقة مع إيران وحماس. وأضاف: في ظل الوضع المتأزم في الخليج اليوم، أصبحت أميركا أكثر ابتزازًا وأكثر تدخلًا في هذه الدول، وأصبحت كل دولة في مجلس التعاون الخليجي تسعى إلى استرضاء أميركا حتى لا يؤثر ذاك على رهاناتها في المنطقة، كما زادت صفقات السلاح الأميركي.
وتساءل عتريسي: ماذا استفادت شعوب المنطقة من هذه الوضعية: هل زادت رفاهًا اقتصاديًّا؟ هل هي راضية عن وضعها الاجتماعي والطائفي؟ يجيب: “لا أعتقد ذلك، ماذا ستحصل عليه هذه الدول مقابل شيطنة حماس؟ هناك شيء غريب في الرؤية الاستراتيجية السعودية، يقول عتريسي، “فالدولة التي تريد دورًا إقليميًّا فعالًا تُصلح مع جيرانها وتبني مستوى من الثقة معهم. الأميركيون هم المستفيدون من هذه الوضعية ولا شك أن القيادات غير مرتاحة لهذا الوضع”.
وتساءل أيضًا: “هل يجب أن نبقى في حالة عداء مع حركات شعبية وازنة وقوية؟ يجب أن تكون هناك مبادرات، يجب أن تكون هناك لغة مختلفة عن لغة التهديد. وللأسف هذا الخطاب هو الذي تقوده السعودية اليوم. فرغم الاختلاف التركي-الإيراني في سوريا وفي قضايا أخرى هناك تعاون وتنسيق، لماذا لا يحدث هذا بين الخليج وإيران حتى تكون المنطقة بعيدة عن التدخلات الأجنبية؟”.
أوضح الباحث في مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية، خالد الرماح، أن الوضع في اليمني مُزرٍ ومؤلم، مشيرًا إلى إخفاق السعودية في تحقيق أهدافها في اليمن. وقد أسهم ذلك في زيادة تحديات الوضع الأمني للمنظومة الخليجية خاصة في ظل التهديد الإيراني المتزايد. وأشار إلى أن السعودية اتبعت استراتيجية جديدة تتمثل في الابتعاد عن الحلفاء القدامى والحركات القديمة باتجاه حلفاء جدد قيد التكوين، والهدف من هذه الاستراتيجية هو وضع مخطط جديد لمواجهة إيران.
وبيَّن الرماح في معرض عن حديثه عن الأزمة الخليجية أن حصار قطر كان من أجل إرغام الدوحة على الموافقة على صفقة القرن حيث كانت هذه الدول تهدف إلى أن تفرض على قطر المساهمة فيها. وقال الرماح: إن الأزمة الخليجية زادت من تفكك المنطقة، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة الأميركية هي المستفيد الأكبر من الوضع الراهن ومن هذا التفكك، وأكد أن الولايات المتحدة قادرة على حل قضايا المنطقة لكنها لا ترغب في ذلك فهذا الوضع يخدمها.
وأضاف أن هناك سياسات أميركية واضحة تهدف لتفكيك الخليج من أجل رضوخ دوله وابتزازها بحجة أنها غير قادرة على تأمين نفسها، “وهذا مخطط خطير تجر إليه المنطقة”.
ورأى الرماح أن مستقبل حل الأزمة الخليجية يتوقف على إرادة سياسية قوية وصادقة لدى القيادات الخليجية، موضحًا أن الأزمة يمكن أن تستمر لسنوات لأن هناك قوى دولية مستفيدة من الشقاق القائم. ونبَّه إلى بوادر تشكُّل قطبين استراتيجيين في المنطقة، هما: قطب إسرائيلي/عربي وقطب إيراني/تركي.
نظَّم مركز الجزيرة للدراسات، يوم السبت، 27 أبريل/نيسان 2019، بالدوحة، حفلًا لتوقيع كتاب “تجربة الحكم الرشيد في قطر: روافع التنمية المستدامة والتمكين المجتمعي (1995-2013)”، الذي شارك فيه نخبة من الأكاديميين والباحثين وحررته العنود أحمد آل ثاني. جاء هذا الحفل على هامش منتدى الجزيرة الثالث عشر المنعقد تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي” ويحضره باحثون وخبراء وصنَّاع قرار من دولة مختلفة حول العالم.
وقد صاحب حفل توقيع كتاب “تجربة الحكم الرشيد في قطر” نقاش بين عدد ممن حضروا المنتدى حول محتوياته.
ويتناول هذا الكتاب، بالبحث والدراسة، السياسات الداخلية والخارجية التي انتهجها الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، إبَّان فترة حكمه، التي امتدت بين عامي 1995 و2013، وأثرها في التغيير السياسي والاجتماعي الذي شهدته قطر. وينقسم الكتاب إلى مقدمة وسبعة فصول وخاتمة.
في المقدمة، استعرضت محررة الكتاب، العنود أحمد آل ثاني، مفهوم الحكم الرشيد، والوسائل المفترض الاستعانة بها من أجل الوصول بالدولة والمجتمع إلى الرشادة، كما ألقت الضوء على أهمية الكتاب وسياقه ومنهجه وما تضمنه من فصول.
وقد اختصَّ الفصل الأول الذي أعده الدكتور العربي صديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قطر، بالحديث عن الوسائل التي انتهجتها قطر خلال فترة الدراسة من أجل تكييف سياستها وبرامجها على المستويات الاجتماعية والسياسية لتحقيق التوازن بين الأصالة التي تحافظ من خلالها على القيم المجتمعية وبين المعاصرة التي تمكِّنها من مسايرة منجزات العصر والاستفادة من التقدم في أساليب الحكم والإدارة.
وسلَّط الدكتور عمر البوبكري، أستاذ القانون العام بالجامعة التونسية، في الفصل الثاني من الكتاب، الضوءَ على انتهاج قطر لسياسة التنمية المستدامة وأثرها على ديمومة الموارد وتنميتها من أجل الجيل الحالي والأجيال المستقبلية، وما تتطلبه التنمية من دعم للشفافية ومحاربة للفساد.
أما الفصل الثالث، فقدَّم فيه الدكتور حسن السيد، أستاذ القانون الدستوري بكلية القانون في جامعة قطر، قراءة تحليلية للدستور القطري الدائم، الصادر سنة 2004، من زاوية علاقته بمبادئ الحكم الرشيد، اعتمادًا على منطوق مواد الدستور وروحه. وقد حاول هذا الفصل الإجابة عن سؤال الانسجام بين الدستور الدائم لدولة قطر ومبادئ الحكم الرشيد، من خلال رصد تطور البنية الدستورية والتشريعية، ومقارنتها بالدستور الدائم ووثيقتي النظام الأساسي المؤقت لعام 1970 والنظام الأساسي المؤقت المعدل في عام 1972، وخلص إلى أن الدستور الدائم شكَّل قفزة نوعية مقارنة مع النظام الأساسي المعدَّل، سواء على مستوى الإعداد والصياغة، أو على مستوى إشراك الشعب في إقراره عن طريق الاستفتاء.
في حين تناول الفصل الرابع، الذي أعده الدكتور شاكر الحوكي، أستاذ القانون العام في كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بتونس، الانتخابات البلدية في قطر التي تم تنظيمها بشكل دوري ابتداء من عام 1999. ويُبيِّن كيف أن هذه الانتخابات لم تكن خطوة في طريق ترسيخ الممارسة الديمقراطية بوصفها تقوم على المشاركة الفعلية للمواطنين فقط، بل شكَّلت كذلك خطوة مهمة في طريق إرساء قواعد الحكم الرشيد وتحديث المجتمع. كما أبرز هذا الفصل سُبُل وآليات ترسيخ الحكم الرشيد من خلال الإجراءات الديمقراطية التي تعلقت بإقرار حق الانتخاب والترشح مع ما يتطلبه ذلك من توفير ضمانات النزاهة والشفافية، ومن خلال إرساء مجموعة من الهيئات الرقابية كإدارة الانتخابات واللجنة الإشرافية واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان.
وأبرز الفصل الخامس، الذي أعده الدكتور ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر، مسار التحولات الاجتماعية والسياسية التي عرفها عهد الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، في سياق المشروع التنموي لقطر، ورصد معالم النهضة التي تحققت في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، خاصة الإنجازات التي شهدها حقل التعليم ومشاركة المرأة في التنمية المجتمعية وتطور المجتمع المدني. وحاول من خلال هذه الحقول الثلاثة ملامسة تأثير السياسات العامة في فترة حكم الأمير الشيخ حمد ودورها في تحقيق التنمية البشرية والمستدامة التي تُؤَمِّن بناء نظام اجتماعي عادل يؤدي إلى رفع القدرات البشرية، ويسهم أيضًا في ترسيخ الحكم الرشيد وبناء المجتمع الراشد.
وركَّز الفصل السادس، الذي أعدته العنود أحمد آل ثاني، الباحث الأول والمستشار بمركز الجزيرة للدراسات، على سياسات تمكين المرأة لصناعة التنمية المستدامة، واستقصت دور الحكم الرشيد في تمكين المرأة القطرية اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا من خلال الدينامية السياسية التي أوجدها الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، مباشرة بعد تسلمه مقاليد الحكم في العام 1995. كما رصدت الوسائل والآليات التشريعية والقانونية والبنية المؤسساتية التي سعت الدولة إلى توفيرها لتمكين المرأة وتعزيز مكانتها المجتمعية ودعم حقوقها والنهوض بدورها في مختلف القطاعات. وربطت ذلك برؤية الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، لدور المرأة في المجتمع، وحرصه على دعم وتشجيع الجهود التي بذلتها الشيخة موزا بنت ناصر المسند في إدارة الملفات ورعاية المؤسسات التي أشرفت عليها.
أما الفصل السابع، الذي أعده الدكتور سيف السويدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة قطر، فقد سلَّط الضوء على السياسات والاختيارات الاقتصادية التي تبنتها الدولة خلال فترة حكم الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وانعكاساتها على مسارات التنمية، وبحث العلاقة العضوية بين هذه السياسات والاختيارات الاقتصادية بالحكم الرشيد أو مبادرة الحوكمة الرشيدة في إدارة موارد الدولة وثروات البلاد ومقدراتها وتأمين العيش الكريم للأجيال الحالية والاستجابة لاحتياجاتها والاحتياجات المجتمعية للأجيال القادمة. ودرس الدكتور السويدي في هذا الفصل التشريعات والبنية المؤسسية للسياسات الاقتصادية، وموقع “رؤية قطر الوطنية 2030” في هذه السياسات ومجالات تطبيقها ومساراتها، والشراكات الاستراتيجية لدولة قطر مع المؤسسات الاقتصادية الكبرى لتحقيق تطلعات قيادتها ومجتمعها.
ويهدف الكتاب عمومًا إلى تحفيز الفضول العلمي نحو مزيد من الاهتمام بمسألة الحوكمة الرشيدة من خلال تسليط الضوء على خصوصية التجربة القطرية التي تُشكِّل نموذجًا رائدًا في الجمع بين التراث الحضاري لقطر ومقومات الحكم الرشيد وأسسه كما أقرتها منظمات وهيئات دولية (الأمم المتحدة والبنك الدولي). وقد أثبت هذا النموذج فاعليته عبر القواعد والآليات التي ارتكز عليها في ممارسة الحكم الرشيد، وظهرت نجاعته أيضًا في الطفرة التنموية التي حققتها قطر في جميع القطاعات والمجالات، وهو ما جعل التجربة ملهمة في عقلنة الحكم وترشيد الإدارة والمجتمع وثروات البلاد ومقدراتها، وتغري بالبحث والتوسع في دراستها لاستكشاف مصادر الإلهام وعناصر القوة في مساراتها ومسيرتها.
اتفق خبراء وأكاديميون على استمرار الأزمة الخليجية لعدم معالجتها بشكل استراتيجي طويل المدى يحدد المكسب والخسارة من هذه الأزمة التي تبدو فيها كافة الأطراف خاسرة. ونوَّه المشاركون في الجلسة الأولى التي حملت عنوان “العلاقات الخليجية-الخليجية: عامان على حصار قطر”، ضمن فعاليات منتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي ينعقد بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان “الخليج بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”، يومي 27 و28 أبريل/نيسان 2019، إلى أن الحراك الشعبي والتطورات الأخيرة في السودان والجزائر وليبيا، يؤكد فشل المحور الخليجي في وأد تطلعات الشعوب نحو الحرية والكرامة في الربيع العربي وأيضًا فشله في إيجاد مشروعية للأنظمة التي يدعمها.
أكد الدكتور ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر، أهمية منتدى الجزيرة كفرصة للقاء الأفكار “في ظل الضغوط التي نواجهها في العالم العربي على المستوى السياسي والاجتماعي”. وأشار إلى حدوث تطورات كبيرة في الأزمة الخليجية تعيدها إلى دائرة الاهتمام الأولى للمحللين السياسيين في العالم العربي، فيما حذَّر من خطورة النظر إلى الأزمة الخليجية والعلاقات الخليجية-الخليجية باعتبارها منفصلة عن محيطها الإقليمي والدولي لافتًا إلى أن ما حدث في الخليج ليس إلا امتدادًا طبيعيًّا لتغير أساسي في بنية النظام الدولي.
وقال: إن الخليج جزء من الحلقة التي يدور فيها المجتمع الدولي الذي انتقل من عالم متعدد الأقطاب إلى أحادي القطب ثم العودة إلى عالم جديد متعدد الأقطاب يلوح في الأفق.
وتناول الأنصاري الدور الوظيفي وظهور الخليج كوحدة سياسية نتيجة لحاجات القوى الغربية في العالم ثنائي القطب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق وحاجة الولايات المتحدة إلى شرطي جديد في المنطقة يضبط الإيقاع بعد انتهاء النظام الشيوعي. ونوَّه بالدور الذي لعبته السعودية ودول الخليج في حرب أفغانستان ثم الدور الذي أُريد للمنطقة أن تلعبه في الحرب العراقية-الإيرانية وغزو الكويت واستثمار القوى الغربية في ذلك لتعزيز وجودها في المنطقة.
وأشار الأنصاري إلى ما وصفه بتغير صورة المنظومة الخليجية -بعد تراجع دور الولايات المتحدة في المنظومة الدولية- ليصبح دورًا أساسيًّا، لكنه ليس الدور الوحيد وبالتالي بدأ بعض حلفاء الولايات المتحدة يتنافسون في معزل عن القرار الأميركي المباشر وتوظيف النفوذ الأميركي لصالح أجندتهم.
وقال: إن الولايات المتحدة لم تستطع خلال السنوات الماضية أن تثبت قدرتها على حماية الحلفاء ومصالحها بشكل مباشر، وإن هناك حالة من القلق والحذر لدى الإعلاميين والمثقفين من الحراك الحادث في المنطقة العربية، مؤكدًا أنه موجة ثانية للثورات العربية ونتاج طبيعي لفشل الأنظمة في استعادة السيطرة في الحالة العربية بشكل عام.
وأوضح أن المحور الذي أراد وأد الربيع العربي نجح على المدى القريب وليس على المدى الطويل ولم يستطع أن يوجد حالة من المشروعية للأنظمة التي يدعمها. ولفت إلى فروق بين موجتي الثورات العربية، أولها: حالة المفاجأة التي تعرضت لها الأنظمة السياسية في العالم العربي والتي أدت إلى عدم القدرة على اتخاذ مواقف واضحة في البداية، وأنها غير موجودة اليوم فهناك اصطفاف ووضوح حول من يدعم الحراك ومن لا يدعمه وليس هناك لغط حول ما تريد أن تفعله هذه القوى سواء في الخليج أو غيره تجاه أي حراك شعبي يحدث في المنطقة.
وأضاف أن هناك تغيرًا في النظام الدولي ورؤيته تجاه العالم العربي بسبب أحداث الربيع العربي الأولى والتي جعلت هناك حالة ارتباك تجاه ما يحدث في السودان وليبيا والجزائر، بل هناك حالة انقسام بين أوروبا والولايات المتحدة.
وركز الدكتور الأنصاري على أهمية العمق الاستراتيجي في الخليج وليس الموقف السياسي قائلًا: إن موقف قطر الداعم لتطلعات الشعوب والدول الأخرى الداعمة للثورات المضادة اليوم قائم على الاصطفاف، وإن الموجة الثانية من الربيع العربي في السودان والجزائر وليبيا وما يحدث في هذه الدول سوف يؤدي إلى العودة للمربع الأول حيث ستضطر دول الخليج إلى العودة إلى مواطنها الفكرية والمبدئية حتى تتعامل مع الحراك الشعبي العربي.
قال الدكتور محمد مختار الشنقيطي، أستاذ الأخلاق السياسية بجامعة حمد بن خليفة: إن قطر استخدمت القوة الحكيمة للتعامل مع الأزمة الخليجية، لافتًا إلى أن هذا المفهوم قائم على المفهوم العربي للحكمة، وهو وضع الشيء في موضعه، وهو المفهوم الذي تتعامل به دولة قطر.
وتحدث عن مفاهيم القوة وكيفية تطبيقها على قطر لفهم العديد من التطورات في عالمنا اليوم، موضحًا أن هناك عددًا من المفاهيم للقوة، مثل القوة الناعمة واللبقة والحادة، فضلًا عن مفهوم آخر يُتداول أحيانًا في عالم المال، وهو مفهوم القوة الحكيمة.
وأشار إلى أن مفهوم القوة الناعمة ابتكره المفكر الاستراتيجي، جوزيف ناي، عميد كلية كنيدي بجامعة هارفارد، والتي تعني قدرتك على قوة الإقناع بدل قوة الإكراه. ونوَّه إلى أن جوزيف ناي أشار إشارات عابرة إلى قطر في كتابه “القوة الناعمة”، وقارنها بسنغافورة وركز على قناة الجزيرة بوصفها قوة ناعمة.
وأشار إلى كُتَّاب آخرين تحدثوا عن القوة اللبقة لدولة قطر، والتي تعد أكثر نعومة من القوة الناعمة، وقال: إن مفهوم القوة الحادة يعني محاولات التأثير غير الشرعية لدول على دول أخرى، مشيرًا إلى أنه مفهوم ينطبق على دول الحصار التي حاولت اختراق دولة قطر من خلال قرصنة وكالة الأنباء القطرية.
توقع الدكتور سامي فرج، المتخصص في إدارة الأزمات والتخطيط الاستراتيجي في الكويت، أن تستمر الأزمة الخليجية، لأن معالجتها سياسية بحتة ولا تتعرض للجوانب الاستراتيجية. وأكد أن دور مجلس التعاون الخليجي والدبلوماسية الكويتية هو الحفاظ على استقرار الأزمة وعدم تطورها إلى عمل عسكري وحتى الآن الأمور مضبوطة.
وفي تناوله لديناميات الأزمة الخليجية الراهنة، أوضح فرج أنه يجب إلقاء الضوء عليها من منظور: ما هو الثابت والمتغير؟ وهل ما يحدث حاليًّا هو الثابت؟ مؤكدًا أن الأزمة تبقى أمرًا متغيرًا، والعلاقة بين القوى الصاعدة في الخليج تتحاشى مصيدة وجوب الصراع. وتحدث عن الدول الصغيرة في مجلس التعاون والمصلحة المكتسبة من الدخول في تحالف ومبدأ الربح والخسارة متسائلًا عن انضمام قطر والكويت وعُمان إلى مجلس التعاون هل لخشيتهم من إيران أم من الطرف الملتصق بهم داخل مجلس التعاون، ومهادنة السعودية أم التعاون معها للموازنة مع إيران؟
وقال فرج: إن الأزمة الخليجية ستستمر لأن معالجتها سياسية بحتة ولا تتعرض للجوانب الاستراتيجية، موضحًا أن الكويت قام بدور في الأزمة من منطلق استراتيجي ووضع تصورًا للأزمة، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، “وقلنا: إن الأزمة سوف تستمر منذ عامين لجوانب استراتيجية ومعايير متعددة”.
وأضاف: “نعيش حالة تطورت في مجلس التعاون بإحساس دول بنشوة النصر في الربيع العربي وهو نصر هزيل، فقررت تشكيل حلف بأجندة تتجاوز الخليج والعالم العربي، ومنها تشكيل الناتو العربي الذي لا يدعمه اقتصاد ولا بنية ولا تخطيط استراتيجي، بل هو تخبيط استراتيجي”.
وأشار إلى أن هناك نشوة لدى الأجهزة الاستخباراتية في هذه الدول وتعتقد أنها تستطيع التدخل في دول كبيرة مثل مصر وليبيا. وشدَّد على ضرورة الاهتمام بمعايير الربح والخسارة وجدوى الاستمرار على هذه الحالة أم أن الأزمة تحتاج إلى البحث عن أمور أخرى؟ لافتًا إلى المتغير السياسي والعسكري وأن المتغير الأكبر هو الصين وحضورها في المنطقة وتغييرها القواعد الاقتصادية في العالم.
قال الدكتور روري ميلر، أستاذ الحكومة بجامعة جورجتاون في قطر: “لم يكن علينا أن نندهش لقرار حصار قطر، لوجود إرهاصات سبقته، وظهور جيل جديد من القادة الشباب في السعودية ودول أخرى حاولوا استعراض عضلاتهم وتوسعة نفوذهم في قطر ودول الشرق الأوسط، عبر تحالفات مختلفة وتهميش الغرماء، ومحاولة اللجوء إلى العنف وأدوات أخرى”.
وتساءل الدكتور ميلر: كيف استطاعت قطر تجاوز الصراع؟ ليرد بالقول: إحدى الاستجابات الأولى كانت مرتبطة بمد جسور مع الولايات المتحدة وتركيا، وقطر استعملت قوتها الاقتصادية بنحو ذكي، رغم أنها ليست بثراء دول الحصار، ولكنها استخدمت مواردها على نحو حكيم، كما استخدمت قطاع الطاقة ككيان يتجنب التهميش والانعزال.
وتابع قائلًا: عززت قطر هويتها الوطنية وناورت لتلعب دورًا أساسيًّا في اللُّحمة الاجتماعية التي تقف خلف القائد. كما عززت قطر قيمة التموقع طويل الأمد بخلاف قصير الأمد، وهذا نادرًا ما تقوم به دول صغرى، فكان تفكير قطر استباقيًّا واستراتيجيًّا من خلال إبرام اتفاقيات نهاية التسعينات، ولما بدأ الحصار أظهرت تلك الاتفاقيات الموقَّعة نجاعتها.
وعلى الصعيد الأمني، أشار الدكتور ميلر إلى تغير البنية الإقليمية الأمنية، وعدم قدرة الدول الخليجية على التصدي للتهديدات، وطفت على السطح تساؤلات حول كيفية توصل هذه الدول إلى اتفاقيات لمواجهة التحديات التي هددت المنطقة.
وأوضح أنه رغم أن الدول الخليجية نجحت سابقًا في عدم عسكرة النزاعات لمدة أربعة عقود، إلا أن السياسيين اليوم في الرياض وأبوظبي لم يلقوا بالًا لتلك الإنجازات، فكانت هناك مجازفات عسكرية فاشلة.
وأضاف: دول الخليج ارتأت في الماضي تعزيز اتفاقها الأمني باعتمادها على روابط عميقة. وقبل الحصار، كان قادة مجلس التعاون مقتنعين بضرورة أن تكون المنطقة بقعة للسلام، ولكن اليوم، فإن الرياض وأبوظبي لا يلقيان بالًا لمنظومة مجلس التعاون، وعجزت تلك الدول عن تعزيز منظومتها الدفاعية بالمقابل، وهناك فشل ذريع في توفير بديل لمنظومة مجلس التعاون الدفاعية.
وعن رهان البعض على دور أميركي لحماية منطقة الخليج، نبَّه الدكتور ميلر إلى أن الولايات المتحدة ليس لها الشرعية والإرادة للعب دور لفرض الأمن في المنطقة. ومن هنا، تأتي اليوم مطالبة واشنطن بوضع حد للحصار، والحديث عن ناتو عربي، ومحاولة إيجاد بديل لمنظومة الخليج الدفاعية.