ضمن فعاليات اليوم الثاني لمنتدى الجزيرة التاسع نظَّم مركز الجزيرة للدراسات ورشة بعنوان "رؤى استشرافية لأزمة اليمن" ناقش فيها عدد من الباحثين والمختصين في الشأن اليمني أبعاد الأزمة اليمنية، وتأثير عاصفة الحزم على مجمل الأوضاع هناك، وما إذا كانت العاصفة قد هيَّأت الظروف المناسبة لعودة الفرقاء إلى طاولة المفاوضات، خصوصًا بعد إبداء الحوثيين وعلي عبد الله صالح استعدادهم للذهاب إلى مفاوضات تنهي الأزمة اليمنية.

وفي هذا السياق قال الدكتور محمد المسفر: إن دول الخليج العربي أخذت زمام المبادرة -ولو متأخرة- لإعادة وضع اليمن من جديد إلى جادَّة الطريق المؤدية إلى استقراره، وأضاف: نحن في سباق مع الزمن، والعالم يتكالب لإجهاض عمل عربي يصب في مصلحة أية دولة عربية تتعرض لمشاكل.

فأوباما -يضيف المسفر- دعا زعماء الخليج لطمأنتهم حول الاتفاق النووي الإيراني، لكنه يقود حملة لإجهاض عاصفة الحزم؛ حيث طلب من المبعوث الأممي الجديد الدعوة إلى فكرة جمع اليمنيين تحت مظلة الأمم المتحدة، حتى لا تنجح الدول العربية في حلِّ مشكلة عربية بعيدًا عن التدخلات الخارجية.

وحذَّر من وجود زخم دولي كبير يسعى لإجهاض عاصفة الحزم، طالِبًا من صُنَّاع القرار الخليجيين أن يواصلوا السير في هذا الاتجاه، وأن يكون الحل العربي نابعًا من قرارات عربية صِرْفة بعيدًا عن تدخل أي طرف لا يمتُّ للحضارة العربية بصلة.

بادي: إعمار العلاقات الخليجية اليمنية

بدوره أوضح مستشار الحكومة اليمنية، راجح بادي، أن الجهود لحل الأزمة اليمنية تسير في الاتجاه الصحيح بفضل عاصفة الحزم التي أجبرت قوات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح على التقهقر، وأجبرت الساسة على الاستعداد للجلوس على طاولة المفاوضات بعيدًا عن الاستقواء بالسلاح، وقال: إن الأرضية مناسبة اليوم لحلٍّ يرضي الجميع، لكن على الحوثيين وصالح أن يدركوا أن مخرجات الحوار اليمني والمبادرة الخليجية يجب أن يُبنى عليهما الحل المستقبلي، ومن أهم بنود مخرجات الحوار تجريد جميع الميليشيات من السلاح وإعادته لمخازن الدولة.

ولفت إلى أن عاصفة الحزم أجبرت الطرف الآخر على القبول بالذهاب إلى طاولة المفاوضات بعد تقليم أظافر علي عبد الله صالح عن طريق التخلص من 80% من القوة التي كان يقاتل بها، كما أن إعادة الأمل عن طريق إعادة الإعمار لم تقتصر نتائجها على إصلاح ما أفسدته الحرب، بل أعادت إعمار العلاقات اليمنية الخليجية، بعد تجاهل طويل من قِبل الخليجيين لأزمات اليمن.

من جهته، أعرب ظافر العجمي عن ثقته في أن عاصفة الحزم هي البداية الصحيحة لحل الأزمة اليمنية، ولفت إلى أن المبادرة الخليجية عندما قُدِّمت لم يُعِرها الحوثيون وصالح أي اهتمام لأنها طُرِحت مجردة من وسائل الدعم، لكن وبعد أن اتضحت الرؤية للقادة الخليجيين، واستشعروا خطر ترك الأزمة لليمنيين والإيرانيين، وأطلقوا عاصفة الحزم بدأ الجميع -بما فيهم إيران- يدركون أهمية البحث عن حلٍّ سياسي توافقي بعيدًا عن قعقعة السلاح.

ونبَّه على أن دول الخليج آن لها أن تدرك حجم قوتها العسكرية، وأنها قادرة على حفظ الأمن الخليجي، بل والعربي، لأنها تمتلك أكبر قوة عسكرية في المنطقة بعد تلك التي يمتلكها حلف الناتو، وهذه القوة قادرة على خلق نواة لقوة عربية مشتركة، فعاصفة الحزم تعد بداية لتشكيل قوة عربية ومجلس أمن عربي لديه القدرة على التدخل في الوقت المناسب لدرء المخاطر عند حدوثها.

تجربة مُرَّة
أمَّا نجلاء العمري فقد روت تجربتها المريرة مع النزوح داخل اليمن بسبب الحرب التي انطلقت من أجل المصالح وليس من أجل الشعب اليمني، حسب تعبيرها، فقد عايشت عاصفة الحزم، وعايشت قبلها هجوم الحوثيين على صنعاء، ونزحت ثلاث مرات؛ مما جعلها تطَّلع على حقيقة الأوضاع عن قُرب.

وأضافت: كان بإمكان الدول التي تقود عاصفة الحزم أن تعلن الحرب من البداية، وتمنع احتلال الحوثيين لليمن بشكل سلمي، لكن عندما يتحدث السلاح يصمت القلب، وعلى الجميع أن يدركوا أن بدء الحرب من الغرف المكيفة أمر سهل، لكن عليهم أن يتذكروا أن المواطنين البسطاء هم من يتحمَّل المعاناة.

وأشارت إلى أن سكان مناطق يمنية كثيرة يعيشون مأساة حقيقية جعلت الحصول على سيارة للهرب من جحيم المعارك يتطلب توفير 500 دولار أميركي، وهذه حقائق موجودة على الأرض لا يدركها طيار يحلِّق بطائرته على ارتفاع آلاف الأمتار. 

ونبَّهت على أن اليمن شكَّل قنبلة موقوتة طوال العقود الماضية ووقفت الدول العربية موقف المتفرج، وتكرر هذا في الأشهر الماضية؛ حيث تابع الجميع سقوط المدن اليمنية واحدة تلو الأخرى، سقطت عمران ولم يحرِّك أحد ساكنًا، وسقطت صنعاء ولم تتدخل الدول العربية، لكن عندما بدأ باب المندب يسقط هبَّ الجميع لنجدة الملاحة الدولية وحمايتها.

وأعربت نجلاء عن حزنها العميق من أن قناعةً تشكَّلت لديها ولدى العديد من اليمنيين تفيد بأن باب المندب والبرنامج النووي الإيراني أهم لدى ساسة العالم من حياة واستقرار 25 مليون يمني ظلُّوا يعيشون في جوٍّ من الوئام والأُخوَّة حتى عهد قريب قبل أن تُفرَض عليهم لعبة المصالح الإقليمية.

وختمت بقولها: إن عاصفة الحزم لن تحقق أهدافها ما لم تدرك الدول الخليجية أن اليمن جزء لا يتجزأ من الجزيرة العربية، وشعبه شعب شقيق لشعوب الخليج، ومن غير المقبول أن تستمر معاناة اليمنيين على حدود الدول الخليجية التي ترفض منحهم مجرد تأشيرة دخول وكأنهم من كوكب آخر، فهذه التصرفات هي التي جعل إيران تقوم بملء هذا الفراغ.